الاثنين، 1 مارس 2010

الإسلام محررا للمسيحية المصرية


د. محمد عمارة

هل هناك عامل ديني وثقافي وحضاري في الصراعات والحروب الاستعمارية؟.. أم أن المصالح الاقتصادية هي وحدها الدافعة والمحركة لهذه الصراعات والحروب؟..

إن أصحاب "التفسير المادي للتاريخ" يختزلون عوامل الصراعات في ذلك التاريخ بالعوامل المادية وحدها.. وعندهم أن الاقتصاد وهو المحرك الأول لهذا التاريخ بكل ما فيه من صراعات وحروب وغزوات.. لكن استقراء التاريخ، وفقه الصراعات التاريخية يؤكد أن الاقتصاد وإن كان العامل الرئيسي في الصراعات، إلا أنه ليس العامل الوحيد.. ذلك أن "المصالح" لا تسير عارية القدمين، وإنما يقدمها أصحابها في "ثياب" تزينها وتجذب إليها العقول والقلوب!..

لقد جاء الغرب الإغريقي ـ بقيادة الإسكندر الأكبر (356 ـ 323 ق م) ـ لاحتلال الشرق ونهب خيراته ـ منذ القرن الرابع قبل الميلاد ـ واستمرت هذه الغزوة الغربية للشرق ـ عبر الرومان والبيزنطيين ـ عشرة قرون ـ حتى أزالتها الفتوحات الإسلامية ـ في القرن السابع للميلاد ـ ..

وإبان هذه الغزوة، كان المواطن المصري يدفع أربعة عشر ضريبة للاستعمار الروماني.. وكانت مصر سلة الغلال التي تطعم روما.. لكن احتلال الأرض ونهب الثروة كان لابد لهما من عوامل دينية وثقافية وحضارية ـ بل ولغوية ـ لتأييد هذا الاحتلال والنهب الاستعماري.. أي أن العوامل الدينية والثقافية والحضارية كانت ضرورية دافعًا للنهب والاستغلال.. فاحتلال "العقل" بثقافة المستعمر ومذاهبه وفلسفاته هو الطريق لتأييد احتلاله "للأرض" ونهبه "للثروات"!..

لذلك، كانت العوامل الدينية والثقافية حاضرة في هذا الصراع بين الغرب والشرق طوال تلك القرون العشرة التي سبقت ظهور الإسلام.. فالوثنية الرومانية قد اضطهدت النصرانية المصرية والشرقية.. وحتى عندما تدين الرومان بالنصرانية اتخذوا لهم مذهبًا ـ هو المذهب الملكأني ـ الذي واصلوا تحت راياته اضطهاد النصرانية "الوطنية والقومية" للمصريين والشرقيين.. فكان الصراع الديني جبهة مشتعلة حتى جاءت الفتوحات الإسلامية فحررت ـ مع الأرض ـ الضمائر والاعتقادات، فأصبحت النصرانية المصرية والشرقية ديانة شرعية حرة ـ بعد أن كانت سرية محظورة ـ وتحررت كنائسها وأديرتها من الاغتصاب الروماني..

وكذلك كان الحال على الجبهات الفكرية والعوامل الثقافية الأخرى.. فالرومان ـ لتأبيد النهب والاستغلال ـ قد أحلوا الثقافة "الهلينية" محل الثقافة الشرقية الوطنية والقومية.. بل وامتد هذا "الاحتلال الفكري" إلى اللغة المصرية الوطنية، فكتبت بحروف يونانية!.. وكذلك كان الحال مع المذاهب والفلسفات!.

بل لقد كانت أماكن العواصم ـ ومن ثم طابعها الثقافي والحضاري ـ معلمًا من معالم هذا الصراع في ذلك التاريخ القديم.. فكل المستعمرين الذين غزوا مصر قد اتخذوا لحكمهم عواصم استعمارية غير العاصمة الوطنية المصرية.. حتى جاء الفتح الإسلامي فجعل العاصمة ـ الفسطاط ـ امتدادًا ـ عبر النيل ـ للأهرامات ـ مأوى ومهوى الوطنية المصرية عبر تاريخها القديم! ـ .. فبعد أن كانت "أورايس" عاصمة استعمارية للمستعمرين الهكسوس (1650 ـ 1560ق م).. والإسكندرية عاصمة استعمارية للمستعمرين الإغريق والرومان والبيزنطيين (323 ق م ـ 641م).. أصبحت الفسطاط ـ وامتداداتها ـ القطائع والقاهرة ـ العاصمة الوطنية والقومية للشرق والشرقيين..

نعم.. إن المصالح المادية هي الهدف الأول للصراعات والحروب.. لكن الأبعاد الدينية والثقافية كانت ولا تزال فاعلة في هذه الصراعات!..
المصريون


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق