السبت، 27 مارس 2010

بعد مظاهرات الكهنة أمام الأمم المتحدة ورئاسة الحكومة البريطانية سقطت ورقة التوت عن الكنيسة المصرية


أسامة رشدي

عندما وقع حادث الاعتداء على الأقباط أمام كنيستهم ليلة عيد الميلاد في نجع حمادي وقتل 6 منهم بالإضافة لشرطي مسلم، اجتمعت قلوب جميع المصريين على إدانة هذا الحادث الإجرامي والغير مقبول، وقامت مختلف القوى السياسية والحقوقية والحزبية والحكومية بمواساة الأقباط والتعاطف معهم، وجرى القبض على المجرمين وتم تقديمهم للمحاكمة والجميع يتطلعون لتوقيع القصاص العادل بحق كل من أجرم في هذه القضية.
وكان يفترض أن هذه الإجراءات كافية، مع الاعتراف بأن حالة الاحتقان الطائفي موجودة للأسف في المجتمع، ولاسيما في المناطق التي تغلب فيها الطباع الحادة كما في صعيد مصر، وهي ثقافة لا تقتصر على تعامل المسلمين مع الأقباط والعكس، بل وتتخطى ذلك للأسف في تعاملات العائلات المسلمة بين بعضهم البعض كما نرى في حوادث الثأر، وكلنا نذكر حادثة قرية أولاد علام التي قتلت فيها عائلة مسلمة 22 من أبناء عائلة أخرى مسلمة أيضا، وقد يكون للاحتقان الطائفي أسبابه التي تحتاج إلى جهود ومصارحة وتعقل لمواجهتها، والتي ليس من بينها الاصطفاف الطائفي كما تابعنا من ردود أفعال مبالغ فيها ومظاهرات طائفية في الكنائس في الداخل، وأمام السفارات والهيئات الدولية في الخارج وكأن كل شيئ معد ومرتب انتظارا لمثل هذا الحدث.
ما يجري الآن تجاوز مسرحية تقسيم الأدوار التي كنا نتابعها من قبل على مدار السنوات الماضية بين الكنيسة وجماعات أقباط المهجر التي تكاثرت في الغرب كالفطر، والتي ذهبت بعيدا عن الحديث عما تزعمه من قضايا مطلبية ومظالم اجتماعية ودينية لتكوين جماعات حاقدة تنضح بالكراهية والطعن في رموز الإسلام ومقدساته في قنوات فضائية وعشرات من صفحات الانترنت وغرف المحادثة، ولم تكتف بالطعن في الإسلام بل وتجاوزته للطعن في هوية مصر والحديث عن المصريين المسلمين بوصفهم عرب  غزاة محتلين، وأنهم هم أصحاب الأرض الأصليين، وكأن المسيحيون في مصر هم هنود حمر، بل مضى بعضهم بعيدا باستنجادهم بإسرائيل ، بل وتظاهروا لدعم إسرائيل في ضرب وإبادة أهل غزة، وتمنيهم هدم المسجد الأقصى، ودعم أي عمل يستفز المسلمين من أي طرف كان، وكل يوم نكتشف اتساع هوة الأحقاد التي يكنونها للمسلمين، مما يكشف عن جملة كبيرة من الأفكار العنصرية  والتكوين الفكري المتطرف التي نمت –للأسف- وترعرعت  في ظل الكنيسة تحت قيادة البابا شنودة الذي لم نسمع منه مواجهة حاسمة لهذه الأفكار المتطرفة الضالة المقسمة للوطن والتي تهدم أي  أسس للعيش المشترك بين المصريين.
وكم من مرة نبهنا هذه الجماعات إلى أن مصر كلها في حاجة للإصلاح والتغيير، وأن المصريين جميعا يعانون من انتهاك حقوقهم وحرياتهم، وإن كان هناك من طرف يعاني بالفعل من الاضطهاد والظلم والتعسف أكثر من الآخر، فهم بالتأكيد ليسوا المسيحيين، بل هم قسم كبير من المسلمين، وأنه من التناقض أن يقوم البابا بأمر الأقباط للتصويت لمبارك وللحزب الوطني في الانتخابات ويدعم توريث مصر لابن الرئيس، ثم بعد ذلك تشتكون من الحكومة التي تساندونها، وهي مواقف تعبر عن قمة الانتهازية السياسية، وتكشف عن عقلية لا تريد الإصلاح للوطن والارتقاء به، بقدر ما تريد ابتزاز هذا النظام بتقسيم الأدوار بالدمج بين الدعم والضغط للحصول منه على أكبر قدر من التنازلات التمييزية على حساب الأغلبية من المصريين، ولكنهم في المقابل كانوا يردون بتعالي مستندين لحسابات سياسية ودولية خاطئة، ويمارسون سياسة الهروب للأمام بتشنيعهم بالمسلمين وتصوير بعض حالات دخول بعض الفتيات المسيحيات للإسلام بأنها عمليات اختطاف واغتصاب وأسلمة ويشنعون على المسلمين المصريين بأنهم يجبرونهم على التحول للإسلام، حتى أن من يسمى نفسه بالأب يوتا يصف الشاب المسيحي الذي قتل زوج شقيقته التي أسلمت وأصابها وأصاب طفلها بالبندقية الآلية بأنه بطل قبطي!! .. وهو تحريض سافر على رفع السلح في وجه المسلمين في مصر، متناسين أن الإسلام لم يأمر يوما لا في الماضي ولا في الحاضر بإجبار أحد على اعتناقه لأنه أول دين رسخ التعددية الدينية وحماها، ولو كان يأمر بذلك لما بقى منهم أحد على دينه حتى اليوم، ولكنه الجحود والافتراء والكذب، ولو أنصفوا لتظاهروا أمام الكونجرس لإحياء ذكرى الملايين من  الهنود الحمر في  أمريكا من أصحاب البلاد الأصليين الذين شرع البيض إبادتهم واقتلاعهم من أرضهم للاستيلاء عليها ، بدلا من التطاول على أمة لها ميراث حضاري شاهد على تفردها وسبقها للعالم أجمع في ترسيخ حقوق غير المسلمين.
ومؤخرا كنت أشارك في أحد البرامج الحوارية على إحدى القنوات الفضائيات وكان أحد ضيوف البرنامج هو أنبا الأقباط في المملكة المتحدة الذي ذهب وهو الرجل الذي يمثل البابا شنودة في لندن ومن المقربين منه، لتبرير ما يفعله أحد القساوسة المصريين الذي يدير إحدى القنوات الفضائية السفيهة التي تخصصت في التطاول على رموز الإسلام  وأمهات المؤمنين في رده علي  كاتب هذا المقال عندما حذرت من تأثير مثل هذا المسلك على حالة الاحتقان التي تسود المجتمع المصري، ولاسيما وأن هذه القناة تصل الآن إلى بيوت كل المصريين بعد إصرارهم على وضعها على قمر يبث على نفس مدار "النايل سات"، وهو ما يساهم في رفع درجات التوتر والانقسام خاصة وأنه لا يمكن توقع ردود أفعال بسطاء الناس من المسلمين الذين لا يستطيعون قبول ذلك ولا هضم هذا التطاول، فإذا بالأنبا يحاول تبرير هذا المسلك ولا يدينه ويقارن ما يفعله هذا القمص بأحاديث الشيخ الشعراوي –رحمه الله- وكأن الشيخ الشعراوي كان يطعن في رموز المسيحية التي هي في الأصل رموز مقدسة عندنا كمسلمين والتي لا يكتمل إيمان المسلم إلا بتوقيرها وتقديسها كنبي الله عيسى ابن مريم وأمه البتول عليهما السلام، ولسان حاله يقول أنهم بذلك ينتقمون من المسلمين ومن أحاديث الشيخ الشعرواوي وتفسيره للقرآن!!.
هذا المسلك الإعلامي والمنطق الفكري يكشف عن حالة من  انعدام المسئولية ممن يعتقدون أن إساءة استخدام وسائل التواصل الحديثة سوف يشكل عامل ضغط على المصريين، أو أن الإسلام تؤثر فيه قناة فضائية أو مواقع تافهة على الانترنت، إننا فقط نحذر من ذلك من منطلق حرصنا على التعايش السلمي، ولإدراكنا أن الغالبية العظمى من المسيحيين في مصر يدركون أهمية العيش المشترك وقيمة الجوار وعمق العلاقات بينهم وبين جيرانهم وإخوانهم في الوطن، وأن ما تفعله هذه القلة هي أنها تؤجج النار وتشعلها ، لزرع الفتنة بين البسطاء، ليحترق الوطن وتسيل الدماء التي يتاجرون بها في الفضائيات وفي المظاهرات، وهم لا يدركون خصوصية الحالة المصرية، فنحن ليست عندنا دارفور ولا كردستان ولا جنوب السودان، وليست عندنا أقليات اثنية ولا لغوية، والمصريين جميعا هم أقباط لهم أصول أثنية واحدة أسلمت أغلبيتهم بينما ظلت الأقلية على دينها بدون إكراه، ولا يوجد مكان في مصر لا يمتزج فيه المسلمون والمسيحيون ويتجاورون في كل شيئ، وهذا يؤكد أن قدر مصر هو العيش المشترك وأن النضال الحقيقي هو السعي لبناء هذا المستقبل المشترك لأولادنا في بلد يتمتع المواطنون فيه بحقوق متساوية ويحكمه القانون ويشارك فيه الجميع في حياة سياسية سليمة، أما الاعتقاد بأن الاستقواء بالخارج والاستنجاد بالكونجرس أو بإسرائيل أو بالحكومة البريطانية واستدعاء حالة الهوس  النفسيةمن الاضطهاد وعصر الشهداء التي تسيطر على الفكر القبطي والتي لها جذورها في التاريخ  القبطي القديم بسبب اضطهادهم في عصور وأزمان سحيقة واستلهام ذلك كله وتنزيله على واقع مصر الآن لا يمكن أن يجدي أو ينفع، أو يجبر الشعب المصري على الرضوخ وتقديم تنازلات لا يجري التراضي حولها من منطلق وطني، وأرضية مشتركة، فمثل هذه التكتيكات لا تخرج عن كونها وصفات غبية ونصائح شيطانية قد جربت في أماكن أخرى وفشلت ، وعندما تتعلق الأمور بالشأن الطائفي والديني في مجتمع لا يقبل المساس بدينه ولا بهويته واستقلاله فيكون الأمر بمثابة اللعب بالنار.
إن أخطر ما كشفت عنه الأزمة الأخيرة ما نراه الآن من سقوط القناع عن الكنيسة المصرية تحت قيادة الأنبا شنودة وسقوط ورقة التوت التي كانوا يتسترون بها،  بعد أن أعطى البابا شنودة الضوء الأخضر لكهنته، وأرسل ممثليه في الكنائس القبطية في نيويورك وواشنطن ولندن وغيرها من العواصم والمدن على رأس المتظاهرين أمام الأمم المتحدة وأمام رئاسة الوزراء البريطانية والهيئات الدولية المختلفة للاستقواء بالخارج وطلب الحماية من الأجنبي لابتزاز حكم مبارك الضعيف الذي رهن مصر لصالح مشروع التوريث، حيث تحولت الكنائس في الخارج لنقاط تجميع وحشد سياسي وتحريض على مصر في الخارج، ومصدر لترويج الأكاذيب والأحقاد وتحميل الأحداث المحدودة والتي أنكرناها جميعا وواسينا المصابين فيها أكثر مما تحتمله الوقائع ، وبدون دبلوماسية نقول أن هذا العمل هو متاجرة بدماء الضحايا وصب المزيد من الزيت على النار التي يريدونها أن تشتعل وتتسع حتى تكون هناك مبررات لمخططات تهجير الشباب المسيحي لأوروبا وأمريكا بزعم الاضطهاد الديني، ولابتزاز النظام المصري بالتدخل الأجنبي للحصول على المزيد من التنازلات للكنيسة، وكل ذلك كبديل عن المشاركة الشعبية والنضال السياسي مع إخوانهم المسلمين المصريين لتأسيس مجتمع حر وقوي ومتماسك يحصل كل فرد فيه على حقه بدون ابتزاز سياسي ولا ضغوط خارجية.
ولكن الكنيسة تحت حكم البابا شنودة عزلت الأقباط وخوفتهم من المسلمين لتجعل من نفسها المتحدثة باسمهم والمدافعة عن حقوقهم ،وكأنهما دولة داخل الدولة، وبلد برأسين وشعبين يعيشون في مكان واحد ثم بعد ذلك يتشدقون بالمواطنة وهو أمر لا ينبغي التسامح معه ولا السماح بالتمادي فيه فتوحيد مصر بسلميها ومسحييها ينبغي أن يكون واحد من أهم أهداف قوى الإصلاح والتغيير في مصر في مواجهة قوى الفتنة والتشرذم وتقسيم مصر.
- الحدث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق