الكاتب: الشيخ أبو عبد الله الصارم
كاميليا .. هل نُكبِّر عليك أربعًا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،
فإن كاميليا شحاتة كانت منذ عام ونصف فتاة نصرانية وزوجةً لكاهن في دير مواس بالمنيا، لكنها سمعت خطبة جمعة كان موضوعها شخصية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخلاقه فتحركت فطرتها السليمة نحو دين الإسلام، وأعجبها ما فيه من عفة وطهارة تبدو واضحة في مظهر كل امرأة محجبة أو منتقبة، فبدأت تقرأ وتسأل عن الإسلام حتى انفتحت أبواب قلبها لنور الهدى ودخلت في دين الله تعالى، وتلك نتيجة طبيعية لكل باحث عن الحق ما زالت فطرته سليمة لم تنتكس.
وبقيت كاميليا سنة ونصف السنة تكتم إسلامها، لكنها تعلمت الكثير عن دينها وحفظت أربعة أجزاء من كتاب الله، وظلت طوال تلك الفترة لا يمسها زوجها الكاهن الذي حُرِّم عليها بمجرد إسلامها، وتلك تضحية كبيرة من فتاة ما زالت في منتصف العشرينات من عمرها.
ثم بدأت رحلة العذاب حين أرادت كاميليا أن تشهر إسلامها، فقد كان عليها أولاً أن تضحي بأمومتها نحو طفلها الرضيع الذي قررت أن تفارقه وتتركه حتى لا يكون هذا الطفل ذريعة لأهلها وأهل زوجها في ملاحقتها وطلب تسليمها بحجة أنهم يريدون ولدهم، فحرصت على أن تفطمه ليستغني عن الرضاعة منها، ثم تركته لزوجها مُقاوِمةً مشاعرَ الأمومة والحنان والمحبة نحو وليدها، ومقبلةً على ربها ومولاها.
وكان زوجها الكاهن قد استولى على أموال من التبرعات للكنيسة تبلغ حوالي خمسة وثلاثين ألف جنيه ووضعها باسمها في أحد المصارف، فسارعت كاميليا لأمانتها وحسن أخلاقها بسحب تلك الأموال وتركها في مظروف للكاهن اللص المحتال الذي لم يعلّمه مركزه الديني شيئًا من الأمانة التي تحلت بها من كانت زوجته.
وحصلت كاميليا على إجازة من عملها، وتركت بيتها وبلدتها في صمت وحرص على عدم إثارة أي مشكلة، ورحلت لا ترغب إلا في إشهار إسلامها فقط، ولا ترغب إلا في أن تعيش كما تعيش أخواتها المسلمات.
لكن المجرمين استكثروا عليها ذلك الحق المشروع، وانقلبت الكنيسة حين علمت بإسلامها فأقامت المظاهرات والاحتجاجات متهمة المسلمين زورًا وبهتانًا بخطف كاميليا التي كانت قد ارتدت النقاب وذهبت للأزهر لإشهار إسلامها.
واستمر شنودة وجنوده في غيهم وضغطهم على الحكومة حتى بلغوا مأربهم ونالوا مرادهم فمُنعت كاميليا من إشهار إسلامها وسُلِّمت على طبق من ذهب للكنيسة في مسلسل مأساوي يذكرنا بأختها وأختنا وفاء قسطنطين التي لاقت مثلها مصيرًا مؤلمًا.
نعم .. سُلِّمت كاميليا في لحظة تجردت فيها النفوس من الدين، وكتب العار على الجبين، ونزعت الرحمة والشفقة من القلوب، واغتيلت الأخلاق ونامت الضمائر على الجنوب، وتخلص البشر حتى من آدميتهم وإنسانيتهم فلم يبالوا بدموعها، ولم يعبؤوا لصراخها، ولم يحرك فيهم ساكنًا استغاثاتها، وصموا آذانهم عن سماع تأكيدها لهم أنها أختهم المسلمة، وسوّل لهم الشيطان تسليمها لأعدائها بلا رأفة أو مرحمة.
فأين هم من قول الله تعالى: " فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ" [الممتحنة: 10].
إنها كاميليا التي ضحت بكل شيء، وأقبلت فاتحة ذراعيها للإسلام وتاركة من وراءها دينًا نشأت عليه، وأهلاً أحبتهم وعاشت بينهم، وزوجًا كانت معه وما زالت في ريعان شبابها، وطفلاً فُطِرت على حبه، ومالاً كان بين يديها، وأمانًا كانت تنعم به.. أيكون جزاؤها بعد كل ذلك أن تُسلم بثمن بخس لزبانية الكنيسة يعبثون فيها كيف شاؤوا ويسومونها سوء العذاب؟!
يا عباد الله.. يا أهل الإسلام .. أترضونه لأمهاتكم؟ أترضونه لأزواجكم؟ أترضونه لأخواتكم؟ أترضونه لبناتكم؟
لا والله ما أحد فينا يرضاه إلا من استمرأ الذل والخنوع وارتضى بالعار والهوان وقبل أن يداس عرضه بأقدام الكافرين والمنافقين.
إن كاميليا شحاتة منذ أسلمت صارت أختًا لجميع المسلمين، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ـ وفي رواية ولا يخذله ـ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" [أخرجه البخاري ومسلم].
ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "فُكّوا العاني ـ يعني الأسير ـ وأجيبوا الداعي" [أخرجه البخاري ومسلم].
فيا أختنا كاميليا لست أدري أما زلت تلقين تحت قهر الكنيسة صنوفًا من العذاب؟ أم تراهم بعد يأْس من ردتك قتلوك فنكبر عليك أربعًا في غياب؟
لست أدري أعليك أكبّر أربعًا أم على الأزهر الذي تواطأ مع الكلاب ؟ أم على أمة قتلتها ذنوبها وعاشت ميتة في ملذات دنيا ناسية يوم الحساب؟ أم على رجال سُلبت رجولتهم تحت أوهام جبن وارتعاب؟ أم على الذين يمثلون علينا دور الوحوش ومع الكنيسة قطط وديعة بلا أنياب؟ أم أكبّر على نفسي الضعيفة التي عجزت أن ترد عنك يد قهر وظلم واغتصاب؟
لكن اليقين عندي أنك ما دمت على إسلامك فأنت حية وإن قتلوك، وأنك العزيزة الكريمة مهما حاولوا أن يهينوك، وأنك فوق الذين سمحت لهم ضمائرهم أن يسلموك، وأنك لن يضرك كيد أعدائك ولا خذلان من خذلوك، وأنك بصمودك تدقين مسمارًا في نعش من حاربوك، وأنك حقيقة شاهدة على هوان أمة مهما سعوا أن يخفوك، وأن دعاءك على ظالميك صائب فحُقّ لهم أن يهابوك.
إن اليقين عندي أن دعاء المخلصين الله له مجيب، وأن النصر قادم فإن جهاد أمتنا لا يخيب، وأن الليل له صبح إذا جاء أرينا الشياطين فيه صنوف الأعاجيب، فاصبروا وصابروا ورابطوا وأبشروا فإن غدًا لناظره قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق