الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

الفاضحة !!


الفاضحة !!
جمال سلطان 

محنة المواطنة "كاميليا شحاتة" تكشف إلى أي مدى بلغت حرمة الإنسان في بلادنا ، وإلى أي مدى يمكن أن يكون "البني آدم" رخيصا في مصر ، ومن حقنا أن نصف واقعة ملاحقتها أمنيا واختطافها وتسليمها إلى الكنيسة ثم حبسها من قبل رجال الدين ثم تواطؤ أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والقوى السياسية والمنظمات الحقوقية والصحف والفضائيات على "دفن" قضيتها وبيعها في صفقات غير أخلاقية مختلفة حسب ميدان كل جهة وموازينها ومطامعها ، يمكن أن نصف ذلك كله بالفضيحة ، وأن واقعة كاميليا هي "الفاضحة" التي كشفت عن أمراض النخبة المصرية ، لا يوجد أي إيمان حقيقي بالحريات العامة ولا بالكرامة الإنسانية ولا بفكرة المواطنة من أصله ولا بالمجتمع المدني ولا بالحداثة ولا يوجد إيمان حقيقي بالقانون والدستور ، ليس فقط من قبل السلطة ، فهذا مفهوم ، ولكن أيضا من قبل الأطراف الأخرى المشار إليها ، هل يمكن أن تتصور أن أكثر من أربعمائة وخمسين عضوا في البرلمان المصري من جميع ألوان الطيف السياسي المصري ، رجالا ونساءا ، لم يفكر أحدهم في أن يقدم طلب إحاطة أو استجواب أو حتى سؤال برلماني إلى وزير الداخلية أو وزير العدل أو رئيس الوزراء عن أسباب القبض على المواطنة كاميليا شحاتة وما هي التهمة الموجهة إليها وما هي السلطات المخولة إلى مؤسسة دينية لكي تعتقلها وتحبسها في مكان يقع تحت سيطرة رجالها ، هل يعقل ، بعض هؤلاء النواب كانوا ـ وما زالوا ـ يمطرون بريدي الألكتروني برسائلهم اليومية التي لا تنقطع عن طلبات إحاطة أو أسئلة برلمانية إلى الوزير الفلاني أو رئيس الوزراء في قضايا أحيانا شديدة التفاهة والهامشية ، وكيف أن "النائب الجسور" لا يترك شاردة ولا واردة من حقوق الإنسان المصري وهمومه إلا تابعها وحاصر المسؤولين بشأنها ، إلا هذه الواقعة ، انقطعت تماما الرسائل ودخل الجميع "جحورهم" وأغلقوا أفواههم ، لماذا ؟ ، هذا هو السؤال الذي يمكن أن تضع أمامه إجابات كثيرة ، لا تخرج جميعها عن مدارات الانتهازية السياسية والنفاق الاجتماعي ، فالنواب المحترمون باعوا المواطنة "كاميليا" من أجل حماية فرصهم في الانتخابات المقبلة أو من أجل الالتزام بتوجيهات حزبية مخالفتها قد تحرمهم من فرصة الترشح في الانتخابات المقبلة ، باختصار باعوا "الإنسان" في سوق النخاسة السياسية ، وعلى الجانب الآخر ، هل يمكن تصور أن أكثر من خمسين منظمة حقوقية كلها تتاجر بقضايا حقوق الإنسان ابتداء من الطفل إلى المرأة إلى الأسرة إلى المضطهدين دينيا إلى غير ذلك من شعارات ، هل يمكن تصور أن جميعهم وبلا استثناء يغمضون أعينهم ويصمون آذانهم عن سماع محنة هذه المسكينة فلا يصدر بيان واحد من هؤلاء المتاجرين بقضايا "الإنسان" ، ومعلوماتي أن رسائل عديدة وصلتهم واتصالات هاتفية بالعشرات استقبلوها ، هل اكتشفوا أن "كامليا شحاتة" انحسرت عنها صفة "الإنسانية" ، أم أنهم جميعا خافوا على "السبوبة" أن تنقطع والحوالات الواردة من "الخواجات" أن تتوقف ، فباعوا كاميليا من أجل حفنة دولارات أو يوروهات ، المصيبة أن بعض هؤلاء يطلق بيانات واحتجاجات حتى لصالح نساء أو قضايا في بلاد بعيدة مثل أفغانستان وإيران والعراق والسند والهند كما يقولون !! ، أستغرب أن أحدا من حواريي المناضلين الجدد من أجل "الإنسان" ودولة القانون من مرشحي الرئاسة المفترضين ، لم يسأل الوافدين الجدد عن موقفهم من محنة "كاميليا" وبأي ذنب سجنت في أقبية سجون رجال الدين ، لماذا لم نسمع كلمة واحدة من الدكتور محمد البرادعي ، لن نطالبه بالذهاب إلى "منزل" كاميليا في دير مواس كما فعل مع "خالد سعيد" رحمه الله ، ولن نطالبه أن يقود مظاهرة من مسجد النور بعد صلاة الجمعة كما فعل في الاسكندرية ، فقط بيان شفوي يسأل ، مجرد سؤال ، أين كاميليا شحاتة وما هو المسوغ القانوني لاحتجازها وعزلها عن العالم ، هي الفاضحة والله ، كلهم تجار ، إذا كانت القضية المطروحة "تبيع" سياسيا ويمكن جني الأرباح من ورائها يتفاعل الجميع ويستعرضون عضلاتهم وفصاحتهم أمام كاميرات القنوات الفضائية العربية والعالمية ، وإذا كانت القضية "غرم" لا غنم ، وتستلزم صلابة أخلاقية وشفافية وإيمان عميق بحقوق الإنسان وتضحيات من أجل ذلك إن استلزم الأمر ، لم تجد أمامك أحدا من "المناضلين" ، كاميليا أعادت تذكيرنا بأن محنة مصر أعمق كثيرا من أن تكون مشكلة سياسة أو صندوق انتخاب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق