الأربعاء، 25 أغسطس 2010

الذين اختطفوا كاميليا!


بقلم/ سليم عزوز-كاتب وصحفي مصري

أصبح مجال المناورة، في قضية اختطاف «كاميليا شحاتة» زوجة كاهن «دير مواس» ضيقا حرجاً، فقد رُفعت الأقلام وجفت الصحف، بعد أن تواترت القرائن التي تؤكد أنها اعتنقت الإسلام، وأنها لم تترك منزلها لخلاف مع زوجها، بالشكل الذي يتم الترويج له، والذي لم ينطل على الجنين في بطن أمه.. مسكين هذا الجنين، ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة أنطقوه وتبين انه يؤيد الرئيس مبارك، على النحو الذي جاء في دعاية المحب، وعضو مجلس الشوري المعين، نبيل لوقا بباوي.
الكنيسة «في حص بيص»، ومعها الأجهزة الأمنية التي قامت بارتكاب جريمة اختطاف «كاميليا»، وتسليمها للكنيسة، لتهدأ ثائرة الثائرين، الذين احتجوا داخل الكاتدرائية وطالبوا جمال مبارك بأن يبلغ «الريس» بأن خطف بناتهم «مش كويس». ولم تكن الهتافات تعبيرا عن النصيحة، ولكنها تدخل في باب التهديد.
ولم يكن غريبا والحال كذلك ان تتحرك قوات الأمن الباسلة وتختطف «كاميليا» وتسلمها للكنيسة، ليعود الثائرون أدراجهم، وقد تركوها رهن تصرف البابا شنودة، الذي كان غائبا عن البلاد، ومشغولاً بالأمر.
وعندما جري التسليم والتسلم تم الترويج لحدوتة الخلاف بين الكاهن وزوجته، والذي بات من الواضح انه تنازل عنها للبطريرك ليقرر مصيرها، إن شاء أرسلها إلي احد الأديرة لتلحق بزميلتها «وفاء قسطنطين»، وان شاء تركها في الكاتدرائية وفي البلاط البابوي، لعل البابا ينجح في إقناعها بالعودة إلي ملتها.
احتجاز " كاميليا" في المقر البابوي، لتصبح رهن تصرف البابا شنودة، دليل «لا يخر الماء» على أن المذكورة اعتنقت الإسلام، وقد اعترف أسقف ملوي والعدوة بأنه جرى لها غسيل مخ، وأنهم في الكنيسة يغسلون المغسول. فلو لم تكن قد أسلمت لعادت الى بيت الزوجية يدها في يد الكاهن الشاب.
نحن هنا أمام قرائن ثلاث تؤكد إسلام «كاميليا شحاتة». الأولى تتمثل في احتجازها بأمر البابا، والقرينة الثانية في تصريحات الأسقف، أما الثالثة ففي عدم قدرة البابا شنودة علي إخراجها للناس عبر شاشات التلفزيون لتؤكد أنها لا تزال على دينها، بعد حالة الحرج التي انتابت القوم من جراء إسلام زوجة كاهن، وليس مجرد واحد من عامة المسيحيين.
في الأسبوع الماضي تفجر دليل حاسم في الموضوع، بالحوار الذي بثه موقع «المرصد الإسلامي» مع شخص يدعي «الشيخ أبو يحيي»، وأيضا في الحوار الذي أجراه الزميل عنتر عبد اللطيف مسؤول الملف القبطي بجريدة «صوت الأمة».
«الشيخ أبو يحيي» من مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، ويعيش في القاهرة، وقد جاءت إليه «كاميليا» من مركز «دير مواس» بمحافظة المنيا، ليساعدها في الإجراءات القانونية لإشهار إسلامها، واعترفت له بأنها مسلمة منذ سنة ونصف. وهو صاحب خبرة على ما يبدو في ذلك، ويقال ان زوجة ابنه كانت مسيحية واعتنقت الإسلام.
قبل اتصال «كاميليا» بالشيخ المذكور كان فرع جهاز مباحث أمن الدولة بالمنيا معه على الخط، وطالبوه أن يبلغهم إذا اتصلت به أو جاءت إليه، ثم سرعان ما دخل مكتب القاهرة علي الخط أيضا.
الذي يميز بين الدولة المدنية والدولة البوليسية، أن القرار في الأولى هو للقانون، أما في الثانية فان أجهزة الأمن هي صاحبة القول الفصل، وقد حضرت في واقعة كاميليا وزوجها الكاهن بشكل يوحي كما لو كان دور هذه الأجهزة هو السهر علي استقرار «غرف نوم الآباء الكهنة».
وإذا كان بعض الأصدقاء المسيحيين دغدغوا مشاعري الجياشة بالقول ان سبب الخلاف بين صاحبتنا والقس «تادرس سمعان» راجع إلى عدم قدرته علي القيام بالواجب المقدس، فلا أدري كيف فات الساهرون علي الأمن أن يجعلوا للقوم حصة مدعمة من «الفياجرا»، في سبيل النهوض برسالتهم في حفظ استقرار الوطن علي أكمل وجه، والذي لا يتحقق إلا بالانسجام العاطفي بين القساوسة وزوجاتهم.
«الشيخ أبو يحيي» يجهر بتعامله مع أجهزة الأمن، فهو سلفي (على حد قوله) ويؤمن بالسمع والطاعة لأولى الأمر، وضد فكرة الخروج على الحكام. وهو فقه متوارث وكان سببا في تحول الدولة الإسلامية إلي ملك عضوض.. انه فقه الخنوع المسؤول عن الاستبداد الذي عاشت فيه المجتمعات الإسلامية، حتي كاد القمع يتحول الي فريضة إسلامية، لدرجة ان عالما في قدر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، برر هذا الاستبداد، فقال حتي لو كان الخلفاء مستبدين، فيكفي أنهم أقاموا شرع الله.
«أبو يحيي» ينتمي إلى فصيل إسلامي يتوسع في مصطلح «أولى الأمر» ليصبح ضباط الأمن هم من أولياء أموره، أو في حكم أولياء الأمور، وسوف نري بعد قليل كيف جري التضارب بين «أولي الأمر»، في فرع المنيا، وفرع القاهرة، فأطاع فرعاً وعصا فرعاً، عسى الله ان يتوب عليه.
ولا ندري ما هو حكم الإسلام فيه إزاء مخالفته لتعليمات جماعة ألمنيا وهم من أولياء أمره أيضا. وقد دخل فرع «تورا بورا» على الخط أيضا وهو الذي اعتدي علي الشيخ في الطريق العام، وأهان «كاميليا» بفحش القول، بعد أن سالت صفائح القاذورات علي ألسنة المعتدين، قبل اختطافها وتسليمها الي الكنيسة.
كان الدكتور ميلاد حنا، السياسي القبطي المخضرم وأحد خصوم البابا شنودة يقول في التسعينيات، إن الأقباط في «جيب البابا» وان البابا في «جيب الحكومة». لكننا الآن أصبحنا نري ان النظام هو الذي أصبح في «جيب البابا» وفي خدمته، والذي جعل مؤسسة الأزهر تنفذ تعليمات الأمن الذي يتعامل مع طلبات البابا علي أنها أوامر.
«أبو يحيي» أبلغ الأجهزة الأمنية في القاهرة والمنيا بوصول «كاميليا»، ولا يجد حرجا وهو يقول ذلك، فهو لا ينظر إليهم علي أنهم وحسب من أولياء الأمور الذين يجب علي المسلم الصالح ان يسمع لهم ويطيع، ولكنه يعتقد أنهم يعاونوه على البر والتقوى، ولم يكن يدري أنهم يهدفون لجعله تحت السيطرة.
في اليوم الأول كان الموظفون المختصون بالأزهر علي وشك الانتهاء من توثيق أوراق إشهار إسلام «كاميليا»، لكن احدهم فتح درج مكتبه ونظر إلي حزمة من الأوراق الصغيرة فوجد اسمها مكتوباً، فطالبها بأن تذهب الآن وتأتي غدا، فالشيخ الموثق ليس موجودا، وكان واضحا أن لديه تعليمات بألا ينهي هذه الإجراءات، حتى يسهل عملية التسليم، بعد غضبة الأقباط المتظاهرين في مقر الكاتدرائية، على الرغم من أن القانون يحظر التظاهر في دور العبادة.
عاد «أبو يحيي» الى المنزل، وفي نيته ان يذهب في الغد للأزهر لإنهاء الإجراءات، لكن أولي الأمر في القاهرة طالبوه بألا يذهب انتظاراُ لتعليمات جديدة، فأطاعها، بحكم كونه سلفي يؤمن بطاعة أولي الأمر.
لكن التعليمات صدرت له من أولي الأمر في القاهرة اذهب الآن للأزهر، في مواجهة تعليمات أخرى من أولي الأمر في المنيا لا تذهب اليوم وانتظر الي حين ورود تعليمات أخري.. كانوا في المنيا يعلمون ان الأزهر محاط بمن يريدون خطف «كاميليا».. في تقارير أخرى قيل ان قساوسة كانوا يرابطون امام الأزهر، لكن «أبو يحيي» عندما وصل لم ينف ان الأزهر كان محاصرا بمن يبحث عنه وعنها، لكنه لم يحدد ملتهم.
التعليمات الأولى صادفت هوي لدي الشيخ، والنفس أمارة بالسوء، فاستبدل طاعة بطاعة، وذهب للأزهر فوجد الجو مكهربا والمكتب المخصص لاستقبالهم شبه مغلق وسمع شجارا بين العاملين فيه، وسرعان ما خرج احدهم وصاح فيه ان ينصرف، وكانت العيون تترصدهما، وتم توجيه السؤال إليه أنت «أبو يحيي» فنفى، لكن سرعان ما أيقن انه معروف للجميع وبدون سؤال، وان الجميع يقفون علي ان المنتقبة التي معه ليست إلا «كاميليا شحاتة».
انصرف الشيخ، وعند مقر «الأوبرا» فوجئ بمن يحيطون بسيارته من كل جانب ويعتدون عليه بقسوة، ويوجهون الشتائم لـ «كاميليا» والتي تنم عن أدب رفيع يميز المعتدون في وضح النهار، وفي زحام القاهرة المعروف منها بالضرورة.
ظن صاحبنا انه يتعرض لعملية اختطاف من قبل مسيحيين فقاومهم بشراسة، ثم سرعان ما سمع احدهم يتحدث عن ضرورة اصطحابهما الي مديرية امن الجيزة فوقف علي أنهم ينتمون لأجهزة الأمن، واندهش، دهشة سلفي يؤمن بطاعة أولي الأمر، والأمر لا يستحق كل هذا، فضلا عن أنهم ينسقون معه فلماذا يعتدون عليه بقسوة الآن؟!.
استسلم الشيخ «أبو يحيي» لأمرهم بأن يستقل سيارة معهم، وعندما فعل من باب طاعة أولي الأمر، عاد من جديد مندهشا، فقد وجد – ويا للهول – شريطاً لعمر دياب، ووقتها أيقن انه وقع في «كمين نصارى»، على حد قوله، ربما لاعتقاده ان من يتعامل معهم علي أنهم من ولاة الأمر، هم جهاز الحسبة في دولة الخلافة الإسلامية ومقرها مصر.
«عمرو دياب»؟!.. مرة أخرى عاد للمقاومة، إلي أن سمع أمرا: اضربوهما على الرأس حتى يفقدوا الوعي. ولما فاق وجد نفسه في الإدارة العامة لجهاز مباحث امن الدولة، وقتها شعر بالراحة والطمأنينة.. طمأنينة المسلم الصالح إذا جلس في حضرة ولاة الأمور.. وعلي الرغم من هذا فقد مكث عندهم ثلاثة أسابيع معصوب العينين، وعندما خرج علم بأن «كاميليا» تم تسليمها للكنيسة، ليتصرف فيها قداسة البابا شنودة تصرف المالك فيما يملك.
لا اخفي أنني علمت بأمر الشيخ عندما كان معتقلا، ولم اهتم بتحري الصدق فيما سمعت، علي الرغم من إيماني بأن المعلومة ضالة الصحفي، فلا اخفي أنني تمنيت ان تكون أزمة «كاميليا» ليس مردها الي اعتناقها للإسلام، ولكن لأنها وكما قالوا في خلاف مع زوجها القس «تادرس سمعان»، وفوجئت بان هذه أمنية أيضا لزميلي «قطب عبد الرحمن»، على الرغم من ان له ميولا اخوانية، لكن ها هو «أبو يحيي» يصفعنا على وجوهنا بالحقيقة المرة، وهي ان «كاميليا» أسلمت، وانه جري التواطؤ بين أجهزة الأمن والأزهر، لإرضاء دولة البابا شنودة، وتواطؤ معهما المجتمع المدني في مصر، الذي سكت علي جريمة اعتبار «كاميليا» هي مجرد شيء من «منقولات» شقة الزوجية لأبونا «تادرس سمعان»، ومن حقه ان يتنازل عنها للبابا المعظم.
مما قاله «أبو يحيي» ان «كاميليا» أخبرته ان أبونا قام بالسطو علي 35 ألف جنيه من أموال كنيسته، ووضعها باسمها في حساب بمكتب البريد، وقد سحبتها في يوم هروبها وتركتها له، وكان المفروض ان يغضب القس الشاب، ويدافع عن شرفه المبعثر، ويقوم بمقاضاة «أبو يحيي».. لكن المشكلة تكمن في ان «أبو يحيي» في هذه الحالة سيطلب شهادة «كاميليا»، وهي ممنوعة بأمر بابوي من الخروج على الناس حتى لا تعلن علي الملأ أنها مسلمة مختطفة.
يقال ان هناك من يفكرون في إعداد صور مفبركة لصاحبتنا في أوضاع جنسية شاذة بهدف الإساءة إليها.. لا بأس، وليكن، فبأي صفة تحتجزها الكنيسة؟!.
القس عبد المسيح بسيط قال ليس صحيحا ان كاميليا أسلمت.. حسنا دعوها تعلن هي هذا للناس.. ثم قولوا لنا بأي صفة يحتجزها البابا شنودة؟!.
عموما لقد رد ولاة أمور الشيخ «أبو يحيي» غيبة القس «تادرس سمعان» وقاموا بإعادة اعتقال الشيخ بعد تصريحاته سالفة الذكر.. نتمنى ان يكون اعتقالا استنادا الى قانون الطوارئ، وليس اختطافا جديدا، حرصا على ما تبقى من شكل الدولة المصرية. جريدة الراية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق