الأرثوذكسية الأزهرية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خير خلْق الله أجمعين، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأخيار الطاهرين.
وبعد:
فقد استنكرت جموع المسلمين موقف الأزهر ورجاله الرسميين من قضية الأخت كاميليا شحاتة، واستهجنت بشدة تواطؤ الأزهر مع من صدّوا كاميليا عن إشهار إسلامها وسلّموها لقمة سائغة لزبانية الكنيسة ليفتنوها عن دينها؛ حتى وصل الأمر إلى تجرؤ القساوسة على وطء ساحات الأزهر مطالبين المسلمين بإبراز بطاقات تحقيق الشخصية بحثًا عن كاميليا ومن يساعدها، في مهزلة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ الأزهر.
ووقف فيلسوف الأزهر الطيب مع الكفار الشرس مع النقاب صامتًا عن هذه المهزلة، ولم يجرؤ على النطق ولو بكلمة ينصر بها أخته المسلمة، أو ينقذ بها ماء وجه المؤسسة الرسمية التي يقبع على رأسها.
وكنا نظن أن هذه المهزلة هي أسوأ ما في جعبة الفيلسوف الطيب حتى رأيناه ضيفًا على مائدة الوحدة الوثنية يشارك شنودة وجنده تناول الإفطار كما شاركهم في تناول لحم أخته كاميليا ودينها وعرضها من قبل، وبعد أن ملأ الفيلسوف معدته وارتخت عضلات بطنه واصل هوايته في لعق أحذية القساوسة وبيع دينه وكرامته وخرج علينا بفتوى لم يسبقه إليها أحد حتى سلفه الهالك المنبطح السابق.
لقد أفتى الفيلسوف بأنه إذا كان فقهاء الأمة قد أجمعوا على أنه لا يجوز للجنب لمس القرآن الكريم حتى يغتسل، فالأمر كذلك ينطبق على الإنجيل والتوراة، فلا يجوز للجنب لمس الكتاب المقدّس عند اليهود والنصارى!!
وبصرف النظر عن المناسبة التي ذكّرت الطيب بالجنابة وهو يفطر في الكاتدرائية، وبصرف النظر عن كون عدم جواز مسّ المصحف للجنب هو قول الجمهور وليس إجماعًا، فإن العجيب هو قياس الإنجيل والتوراة المحرفين على كتاب الله عز وجل.
فمن المقرر في الأصول أن القياس لا بد له من علة مشتركة توجد في الأصل المقيس عليه والفرع المقيس، فما هي تلك العلة المشتركة في هذا القياس؟
هل هي أنهما كلام الله؟ إن قال الطيب هذا فقد كفر بالقرآن الذي نصّ على أن هذه الكتب محرفة وليست من عند الله.
قال الله تعالى: "فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" [البقرة: 79].
وقال سبحانه: "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ " [النساء: 46].
وقد يقال إن كتب اليهود والنصارى تشتمل على بعض المعاني التي تتوافق مع الوحي القرآني، وهذه لا تصلح علة على الإطلاق، حيث إن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي هي وحي بالمعنى لم يقل أحد من العلماء بقياسها على المصحف في ذلك.
وربما قيل إن العلة هي اشتمال هذه الكتب على بعض كلام الله، وهذه أيضًا لا تصلح علة، وإلا صارت كل الكتب الإسلامية المشتملة على بعض آيات القرآن يحرم على الجنب مسّها سواء كانت من كتب الفقه أو التفسير أو الأصول أو العقيدة؛ بل إن أي كتاب أو صحيفة أو مجلة يسري عليها هذا الحكم إذا اشتملت على بعض الآيات القرآنية حتى إن كانت مجلة ميكي ماوس، فهل يقول بهذا عاقل؟!
وليت الفيلسوف عدوّ النقاب يتفضل بتوضيح العلة التي قاس بها كتب تسبّ الله وأنبياءه ورسله وملائكته على كتاب الله عز وجل الذي حكم بتحريف هذه الكتب وكفّر الذين اتبعوها.
ألا يعلم هذا الفيلسوف الفاشل أن هذا الكتاب الذين يزعمون قداسته قد جاء فيه طعن واستهزاء بالله تعالى، نورد منه على سبيل المثال ودون تعليق منا ما يلي:
- " فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر" [المزامير/78/65].
- "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل" [التكوين/2/2].
- " ويكون في ذلك اليوم أن الرب يصفّر للذباب الذي في أقصى ترع مصر وللنحل الذي في أرض آشور " [إشعياء/7/18].
- " فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه " [يونان/3/10].
وأما إساءة هذا الكتاب لأنبياء الله فلا تكاد تنحصر، فقد صوّرهم هذا الكتاب الشيطاني على أنهم أحطّ خلق الله، فمنهم الزاني وشارب الخمر والمتعري والكاذب والمحتال لسرقة النبوة والمصارع للرب من أجل نيل البركة إلى غير ذلك من كفر بواح وإجرام في حق خير خلق الله.
فعلى سبيل المثال نجد في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الحادي عشر، الأعداد من الثاني إلى الخامس:
"وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحمّ، وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا. فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه بتشبع بنت إليعام امرأة أوريا الحثّي. فأرسل داود رسلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى".
قاتلهم الله أنى يؤفكون.
والأدهى من ذلك أنهم ينسبون للأنبياء أحطّ أنواع الزنى، وهو زنى المحارم، كما نجد في قصة سيدنا لوط عليه السلام في سفر التكوين، الإصحاح التاسع عشر، الأعداد من الثلاثين إلى السادس و الثلاثين:
"وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه؛ لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن في المغارة هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلم نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً، فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمرًا الليلة أيضًا، فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلاً، فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامه، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما".
قبحهم الله ولعنهم بما افتروا على أنبياء الله إفكًا وزورًا.
بل إن في هذا الكتاب من النصوص ما يعدّ جنابة في ذاته مثل سفر نشيد الإنشاد الإصحاح السابع، الأعداد من الأول إلى الثالث :
" ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم.دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع. سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج.بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن. ثدياك كخشفتي توأمي ظبية".
ومن ذلك أيضًا ما جاء في سفر حزقيال الإصحاح الثالث والعشرين، الأعداد من التاسع عشر إلى الحادي والعشرين :
" وأكثرت زناها بذكرها أيام صباها التي فيها زنت بأرض مصر، وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيّهم كمني الخيل، وافتقدت رذيلة صباك بزغزغة المصريين ترائبك لأجل ثدي صباك".
لست أدري أي جنابة هذه التي تمنع شخص أن يمس كتب فيها كلام فاحش مثل هذا؟ وهل سبق لفيلسوف الأزهر الاطلاع على نصوص هذا الكتاب الفاجر قبل أن يسارع بقياسه على القرآن تقربًا لمولاه جنابة الأنبا شنودة، وطلبًا لرضا أسياده وأولياء نعمته الذين أتوا به في هذا المنصب؟
كفاك أيها الطيب فلم نر منك طيبًا منذ ابتلينا بك، فارحل عنّا واتعظ من سابقك الذي رحل غير مأسوف عليه إلى مزبلة التاريخ.
كفاك ما جلبته للأزهر من عار ودمار وارحل إن كان لديك بقايا من كرامة أو دين، فمشيخة الأزهر كبيرة على أمثالك من المنبطحين كثيرًا.
ارحل أيها الفيلسوف قبل أن تحوّل الأزهر الذي كان أكبر مؤسسة دينية في العالم إلى فرع للكاتدرائية المرقسية، وقبل أن يُعتمد المذهب الأرثوذكسي رسميًا ليدرس في كليات الشريعة بالأزهر، ففي عهدك لم نعد نستبعد شيئًا؛ لأنك لم تترك لنفسك شيئًا من الكرامة، ولم تعط للمسلمين أي فرصة لاحترامك، وصرت مهرّجًا منافقًا تتسول رضا أسيادك الذين جادوا عليك بهذا الكرسي الذي قتل مروءتك ونخوتك، فارتضيت أن تكون سلاحًا لأعداء الدين على المسلمين، واستمرأت نفاق الكفار والمتاجرة بدينك تنفلاً بمناسبة أو بدونها، حتى تظلّ منبطحًا تحت ذل الكرسي وظل السلطان، فمثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
قال الله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"[الأعراف: 175-176].
الشيخ أبو عبد الله الصارم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق