جمال سلطان
سرح بي الخاطر مساء أمس وأنا أتأمل في تلك اللوحة الكئيبة والعجيبة التي وضعتنا فيها الكنيسة وحلفاؤها من كهنة التوريث ، عندما قرروا اختطاف المواطنة "كاميليا شحاتة" بعد إبدائها رغبتها في التحول إلى الإسلام وحبسها في "مكان أمين" تحت إشراف البابا شنودة شخصيا ، وتحيرت كثيرا في موقف بعض النخبة المصرية الذين ما زالوا يصرون على أن قضية كاميليا هي قضية تنازع بين إسلام ومسيحية ، أو كما عبر مسؤول موقع قبطي بأنه تنازع بين "ألتراس" طائفي مثل ألتراس الأهلي والزمالك ، وتابعه بعض الكتاب في محاولة لاصطناع "استظراف" مزيف يخفي تواطؤهم البشع على أبسط معاني الحقوق والحريات وتغييب الدولة والقانون والدستور ، ويهربون بهذا "الهذر السخيف" من مواجهة أزمة أخلاقية يعيشونها بسبب حرص أحدهم على "أكل العيش" في الوقت نفسه الذي يحاول الاحتفاظ ـ أمام القراء ـ بأنه محترم ونظيف وشفاف ، سرح بي الخاطر وتصورت أن حالة نزق فكري وعقيدي أصابت ناشطة مثل "نوال السعداوي" أو "فريدة النقاش" مثلا ، ولا أدري لماذا تذكرت الاثنتين تحديدا ، ربما لأنهما أكثر اثنتين تثيران عادة الضجيج حول الحقوق والحريات وحقوق المرأة بشكل أساس ، وهما في الوقت ذاته من هؤلاء الذين بلعوا ألسنتهم وأغمضوا أعينهم عن مأساة مواطنة محبوسة كنسيا اسمها "كاميليا شحاتة" ، أقول ذهب خاطري وخيالي إلى أن فريدة أو نوال أصابتهما حالة نزق فكري وقررا نقد الأزهر والتحول إلى البهائية مثلا أو أي ملة أخرى ، وأن مجموعات من المسلمين تظاهروا غضبا من ذلك ، ثم تدخل شيخ الأزهر وطالب الجهات الأمنية بسرعة القبض على الاثنتين وتسليمهما إلى مساعديه في الأزهر لإخضاعهما لعلاج روحي مناسب ، حتى لا تحدث فتنة ويقع اضطراب لا تحمد عقباه في مصر ، وأن المباحث الجنائية ومباحث أمن الدولة نشطت في البحث عن الاثنتين وطاردتهما من مكان إلى مكان وداهمت أكثر من شقة يشتبه في أنهما اختفتا فيهما ، حتى تم توقيفهما والقبض عليهما ، وأرسل شيخ الأزهر مندوبيه لتسلم الاثنتين ، حيث حملتهما سيارات بحماية خاصة إلى استراحة تابعة للمعهد الأزهري في الواحات الخارجة ، حيث خضعا لعمليات تأثير فكري وضغط نفسي وعصبي وتهديدات وإغواءات وتم عزلهما عن العالم ، وحدث أن تظاهر عدد من نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء حزب التجمع من أجل إطلاق سراح "الأسيرتين" من قبضة "رجال الدين" ، وقالوا أن الدولة أصبحت خاضعة لهيمنة رجال الدين ، وأن لا نص في القانون أو الدستور يسمح لشيخ الأزهر بأن يتسلم مواطنين أو مواطنات كرهائن ، أو أن يحبسهم ، كما أن المعاهد الأزهرية ليست مكانا منحه القانون سلطة حبس المواطنات وعزلهن وإخضاعهن للتحقيق ، فخرج شيخ الأزهر غاضبا مهددا بتحريك الشارع الإسلامي إذا لم يتوقف اللغط والتطاول على مقام شيخ الأزهر ، مؤكدا أن قضية "نوال وفريدة" شأن أزهري لا صلة للآخرين به ، ولكن بعد وساطات وتوسلات من أجهزة الدولة والقيادة السياسية ، وافق شيخ الأزهر ، مشكورا ، بإعلانه أنه سوف يسرب شريط فيديو من عدة دقائق تم تسجيله مع الاثنتين في "معتكف" الواحات الخارجة ، تعترفان فيه بأنهما في أمان وراحة نفسية كبيرة وأن الأزهر مؤسسة محترمة ولا يمكن أن تحبس المفكرين أو أن تجبر أحدا على اعتناق الفكر الذي يدين به الأزهر وأنهما هنا برغبتهما التامة وإرادتهما الكاملة وليس هناك أي أساس للحديث عن أنهما تركا تعاليم الإسلام أو الأزهر ، وبعد أن ظهر الشريط الذي تم تسريبه لنوال وفريدة قامت صحيفة الأهالي بنشر الحدث السعيد الذي أدخل البهجة على كل النفوس التي كانت قلقة على الاثنتين ، وكتب رفعت السعيد رئيس الحزب شاكرا شيخ الأزهر على حكمته وتفهمه ومؤكدا على أن نشر شريط "فريدة ونوال" أنهى المسألة وأخرس كل الألسنة التي شككت في الأزهر وأرادت أن تحدث فتنة في الشارع المصري ، وبناء عليه قررت الجهات الأمنية التعامل بصرامة مع أي "خروج على القانون" بالتظاهر في الشوارع احتجاجا على "حبس" نوال وفريدة لدى شيخ الأزهر ، وأكد مصدر أمني مسؤول أن الشريط الذي نشره الأزهر للاثنتين شريط سليم وصحيح وليس مزورا ، كما قام التليفزيون الرسمي للدولة بإذاعة خبر عاجل عن الشريط لطمأنة الرأي العام ووأد الفتنة التي ظهرت بالتطاول على الأزهر وشيخه بسبب "الأزمة المفتعلة" حول المواطنتين نوال وفريدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق