جمال سلطان
شعرت بالإشفاق على كثير من الكتاب والصحفيين المصريين والحقوقيين والمشتغلين بالشأن العام في الصحف الخاصة والقومية وأنا أقرأ لهم فرحتهم العارمة بما ظنوه انتهاء لقضية "كاميليا شحاتة" بعد الشريط الغامض الذي سربه مجهولون وتبرأت منه الكنيسة ، بعضهم سارع للكتابة باحتفال كبير وكأن كابوسا انزاح عن رأسه ، وراح يدعو الجميع ويناشدهم إنهاء الموضوع وعدم الكتابة فيه مجددا ، أشفقت على هؤلاء بالفعل لأني أعرف أنهم يدركون ـ مثل أي عاقل ـ أننا أمام مأساة إنسانية واضحة المعالم ، وفضيحة إنسانية وحقوقية وقانونية ودستورية لا تحتمل أي لبس ، ومع ذلك يمنعهم "أكل العيش" من التعاطي معها بما تستحق ، لأنهم يدركون أن "ضريبة" ذلك ـ إن فعلوا ـ كبيرة ، إن لم يكن اليوم فغدا بكل تأكيد ، فهم ممزقون بين أكل العيش وبين ضميرهم الذي يرى ويسمع ويعرف ويتألم ـ كبشر ـ ، وكل يوم تستمر فيه محنة كاميليا ، وكل يوم نكتب فيه عن مأساتها ، كأننا نجلدهم بسياط تدمي قلوبهم وضمائرهم ، ولذلك هم في لهفة شديدة لانتهاء هذا الموضوع بأي شكل ، وفي شوق إلى اليوم الذي يتم فيه "دفن" كاميليا وقضيتها إلى الأبد ، لكي يحرروا أنفسهم من ذلك الشعور اليومي بالعار المتجدد ، ويحرروا ضمائرهم من هذا التأنيب المستمر ، أشعر بالإشفاق على هؤلاء ، على جانب آخر ، أعرف بشكل يقيني أن بعض الصحف اعتذرت لكتاب عن نشر مقالات عن "كاميليا" وطلبت من كتابها البحث عن "أي موضوع" آخر للكتابة عنه ، وأعرف بشكل يقيني أن صحفا خاصة وصلتها أعمال صحفية من محرريها متصلة بمحنة كاميليا ، فألفت بها في سلة المهملات ، وأعرف أيضا أن شخصيات دينية رفيعة تشعر بالغم والهم والكرب العظيم من استمرار محنة كاميليا ، وتهرب من الحديث عنها هروبها من "الداء الخطير" ، وتتمنى أن يتم غلق موضوعها الذي يمثل "فضيحة" وإدانة لتلك المؤسسة لا تعرف كيف تتخلص منها ، وأعرف أن "مأساة كاميليا" كابوس مروع لقيادة الكنيسة المصرية تسابق الزمن والأحداث من أجل الخروج منه بأقل الخسائر ، وأن هناك "خلية أزمة" داخل الكنيسة على أعلى مستوى لإدارة هذا الملف ومحاولة الخروج من الحصار ، وأعرف يقينا أن هناك قناعات قبطية شائعة الآن بأن مقام "الكرسي البابوي" تعرض لكسر معنوي وأخلاقي غير مسبوق ، وأن البابا شنودة بعد مأساة كاميليا غير البابا الذي كان قبلها ، وكانت الحملة الشعبية التي تفجرت ضد التحالف غير الأخلاقي بين كهنة الكنيسة وكهنة التوريث على خلفية ملف "كاميليا" مفاجئة للكنيسة بشكل كبير ، ولم يتخيل البابا شنودة أن تصل الأمور إلى هذا المستوى من الخطورة والتجريس والإهانة ، ليجد نفسه وكنيسته في موقف شديد التهافت والضعف ، إنسانيا وأخلاقيا ودينيا وقانونيا ، ولا يعرف كيف يدافع عن موقفه إلا بالعناد المطلق على طريقة "هي كده"! وأعلى ما في خيلكم اركبوه ، ووضعت قضية كاميليا الدولة المصرية وأجهزتها في مأزق خطير ، لدرجة أن الجهاز القضائي ظل يهرب من مواجهة الأزمة ويتجاهلها رغم أن ملفها يمكن أن تفتح فيه ثلاث قضايا كبرى على الأقل ، وارتبك الجهاز الأمني أمام التصاعد الخطير للأحداث وبدا أن هناك حيرة شديدة في كيفية التعاطي مع الملف ، والحذر الشديد تجاهه ، وكذلك الارتباك والهلع الذي أصاب قيادات سياسية رفيعة ورطت الدولة والمجتمع في هذه الأزمة برعونتها واستهتارها وإدارتها لشؤون الدولة خارج إطار الدستور والقانون ، بل باعتبار أنهم فوق الدستور والقانون ، ووصل بهم الهلع إلى حد نشر خبر في التليفزيون الرسمي للدولة منسوبا إلى مصدر أمني يقول بأن شريط كاميليا "المجهول" صحيح ، في إهانة مؤسفة للجهاز الأمني ، الذي لم يسأله أحد عن الشريط وصحته ولا دخل له أصلا بالشريط ولم يصدر عنه أصلا ما يفيد بمصدر الشريط ، ولكنهم حشروا المصدر الأمني في هذا الموقف السخيف لمحاولة "دفن" كاميليا وقضيتها ، ويكفي إحراجا "لجهاز الأمن" الرسمي أنه ينشط للحديث عن "شريط" كاميليا وصحته ، في حين لا يملك الجرأة لكي يقول : أين هي كاميليا ولا من هي الجهة التي تحتجزها ، ولا ما هو المسوغ القانوني لاحتجازها ، ولا ما هي الشرعية القانونية لمكان احتجازها ، ولا لماذا لم يطلب الإذن من النيابة العامة بالبحث عنها وتحريرها ، ترك "المسؤول" الأمني مسؤولياته القانونية الأساسية وراح يتحدث "كأي هاوي" عن شريط كاميليا ، .. مصيبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق