د . حلمي محمد القاعود
ذات يوم دخل الإمام الجليل الراحل عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر ، واطلع على البوسته اليومية ، وكان فيها خطاب من أحد مدرسي الأزهر المعارين إلى الخارج ، ختمها المدرس بأنه يشكوه إلى الله !
ارتعد الشيخ الجليل وتغير وجهه وظهر عليه الانفعال ، فمعنى الشكوى إلى الله أن الرجل مظلوم ، وأن الشيخ شارك في ظلمه ! وترك الشيخ كل شيء لينظر في أمر من يشكوه إلى الله ، ولم يهدأ إلا بعد أن عرف ، وتأكد أن الرجل يطلب حقا ليس له ، وتم ذلك في مواجهته !
وقبل أسبوعين تقريبا ، وقف أحد النصارى في العظة الأسبوعية لرئيس الكنيسة ، وشكا إليه من كاهن اعتدى عليه وعلى أمه العجوز التي تبلغ من العمر 75 عاما ، ولكن الزعيم ، نهره قائلا : مش وقته ! وحاول الشخص المسكين أن يستعطف الزعيم ليطيب خاطره ولو ببعض كلمات ، ولكن الآخر احتد عليه ، مما اضطر الرجل المسكين أن ينفعل ، ويقول : مش مسامحك .. مش مسامحك ، ويأمر الزعيم الحرس البابوي بإخراج الرجل من الكنيسة ، وإنهاء الأمر بالقوة .. ولكن الرجل ظل يصيح : مش مسامحك حتى خفت صوته ، وابتعد تماما عن الأسماع !
المقارنة بين الموقفين – مع الفارق – تشير إلى أن الخوف من الله يقود صاحبه إلى الحق والصواب ، أما التعصب والغطرسة ، فتقود إلى مضاعفات لا ترضي الله ولا ترضي الناس أيضا ! وكان من الممكن لو أن الزعيم طلب من الرجل الذي ضربه الكاهن واعتدى على أمه العجوز أن ينتظره إلى آخر العظة ، أو يكلف أحدا من رجال دولته بحل المشكلة ، ولكن عنجهية رئيس دولة الكنيسة فوق أي حسبان !
وبالمثل فإنه عندما نهر من كان يحاوره في القناة الطائفية بعد أن سأله أكثر من مرة عن كاميليا شحاتة قائلا له : وأنت مالك ؟! فإنه كان يعبر عن غطرسة الاستعلاء المستقوي ، وازدراء السلطة والدستور والقانون حين حبس امرأة ضمن نساء أخريات بغير جريمة ، بعد أن نصب نفسه حكومة بديلة عن الحكومة الشرعية التي تحكم من قصر القبة ..
المفارقة أن الزعيم كان في معظم ظهوره على شاشة ذراعه الملياردير يتكلم عن الهتافات التي نددت به في مظاهرات المصلين ليطلق سراح الأسيرات ، ولم يتقبل ما وجهه المتظاهرون من أوصاف عدها ماسة به ، ولم يتقبل الأمر بوصفة حرية تعبير ، أو حرية فكر مثلما وصف شتائم وبذاءات ذراعه اللعين زكريا بطرس ، الذي ظل ومازال يوجهها إلى نبي الإسلام – صلى الله عليه وسلم – ولم يقل له : عيب ! ولم يذكره أنه يسيء إلى مليار ونصف مليار مسلم على ظهر الأرض ! بل وجد في نفسه من الجرأة أن يطلب من المسلمين أن يتوقفوا أولا عن الإساءة إلى المسيحية ،حتى يتوقف زكريا بطرس الشتام اللعين ، وهو أول من يعلم أن المسلم لا يسيء إلى المسيح أبدا ؛ لأنه لا بد أن يؤمن بالمسيح وأمه مريم البتول !
إن الزعيم يحاول عن طريق اذرعه في الداخل والخارج أن يلفت الأنظار عن الجريمة التي تقترفها الكنيسة كل صباح مذ تولى الكرسي البابوي ، ومذ جعل جماعة الأمة القبطية تتولى مقاليد الحكم في شتى أرجاء دولة الكنيسة ، وهو من خلال المراوغة والدهاء ، واستخدام العصا والجزرة.. وجزرة تأييد التوريث يبتز السلطة الرخوة ، ويحقق مطامع الكنيسة غير القانونية في بناء الكنائس ، والاستيلاء على الأراضي ، وحرمان المسلمين من ممارسة دينهم وتعلمه ، والتحاكم إليه ، فضلا عن جريمتها الكبرى في فصل الطائفة عن المجتمع ، وزرع الأساطير في أدمغة أفرادها عن غزو المسلمين لمصر ، وضرورة إجلائهم منها ، وتغيير اللغة العربية ، وتغيير هوية مصر ، وإبعادها عن محيطها الإسلامي ... هذه الجريمة تنمو باستمرار مع الإلحاح الكنسي والإعلام الطائفي ، وبلغت الذروة مؤخرا مع تصريحات نائب البابا للصحيفة الموالية للطائفة عن ضيافة المسلمين ، واستعداد الطائفة للاستشهاد لو طبق عليها القانون ، ثم ما قاله عن القرآن الكريم طعنا في نزوله من عند الله ، وتشكيكا في آياته ، أمام مؤتمر دير الأب أبرام بالفيوم لتثبيت العقيدة ، الذي وزعت فيه منشورات تدعو إلى الاستشهاد ، أي مقاتلة المسلمين وإهدار دمائهم .
إن الكنيسة لا تجد غضاضة أن تقوم اذرعتهت الداخلية والخارجية بالإساءة إلى الإسلام والمسلمين بأساليب فظة ، وخشنة ، وعنيفة ، وأن تقوم بمطاردة كل من يتعاطف مع الأغلبية من أبناء الطائفة ، لدرجة الحرمان ، وعدم الصلاة عليه بعد موته ، وقصة نظمى لوقا مشهورة ومعروفة ، فالزعيم لم يغفر له أنه كتب كتابين عن محمد – صلى الله عليه وسلم – ودارت به زوجه الأديبة صوفي عبد الله ، بعد وفاته على الكنائس ؛ فلم تجد كنيسة تقبل أن تصلي عليه!
وللأسف فإن بعض النخب لا ترى أو لا تريد أن ترى المخطط الحقيقي الذي يصنعه وينفذه الزعيم ، ويختزلونه في حادثة هنا أو تصريح هناك ، ويتطوعون بإلقاء اللوم في كل الأحوال على تجاوزات الجانبين ، بسبب مصالحهم الضيقة ، أو لكراهيتهم للإسلام والمسلمين ، ويتمادى بعضهم فيلقي باللوم – فقط - على المتطرفين المسلمين الذين يريدون دخول الجنة ويديرون ظهورهم لواقعهم المتردي بتحرير «أسيراتنا المسلمات في أقبية الكنائس» والطعن في عقائد المسيحيين على ميكروفونات المساجد، ثم هناك بعض الدمى من الرداحين والرداحات يظهرون بكثرة على شاشات القنوات الفضائية فيفرشون الملاءة للمتطرفين والمتعصبين المسلمين من أمثال الدكتور العوا والدكتور زغلول النجار ومذيع الجزيرة ، دون أن يشيروا بكلمة إلى المتمردين الذين ينفذون مخططا إجراميا يفتك بالوطن وبالمسلمين وغيرهم ..
إن المنافقين والأفاقين والأرزقية الذين يلقون باللوم على من يسمونهم المتطرفين المسلمين ، يتجاهلون أن السلطة أفرغت كل انتقامها وقسوتها في الزج بالآلاف من أعضاء الجماعات الإسلامية إلى السجون ، وفعلت بهم ما يعرفه القاصي والداني ، داخل المعتقلات والسجون منذ ثلاثين عاما ، ولم يخرجوا منه إلا مؤخرا بعد أن فقدوا شبابهم وحياتهم وأسرهم ،وصاروا مجرد هياكل بشرية صنعها الانتقام والقسوة والتعذيب، ومازال بعضهم حتى اليوم بعد انتهاء مدة عقوبته أسيرا لدى السلطة الرخوة التي لم تستطع أن تقول لجماعة الأمة القبطية الإرهابية التي تقود تيار التطرف داخل الكنيسة كلمة واحدة !
إن تصفية جماعة الأمة القبطية الإرهابية واجب أمني ، يجب أن تقوم به السلطة إن كان لديها بقية من عدل وإنصاف ؛ لتحمي الوطن من مصير مجهول لا يعلم أحد إلا الله كيف سيكون لو استمرت هذه الجماعة في الكنيسة الأرثوذكسية . إن تطبيق ما صنعته السلطة في الجماعات الإسلامية على جماعة الأمة القبطية – بالقانون - أبسط قواعد العدل والإنصاف !
ولا يحتجن احد بأن السلطة قد أظهرت رأس الكنيسة على شاشة تلفزيونها الرسمي ليتأسف على ما قاله نائبه المتمرد حول القرآن الكريم ، وينفي ما عداه ، ويطلب إيقاف المظاهرات المتوقعة عقب صلاة الجمعة .. فالأمر أكبر من ذلك ، لأنه مصير وطن يلعب به المتمردون ، ويخططون لإشعال النار فيه معتمدين على قوة الشر العالمية الأولى – أعني الولايات المتحدة الأميركية ، وإن كانت ستخذلهم بالتأكيد مثلما خذلت نصارى العراق .
إن تفكيك دولة الكنيسة بالعباسية لتخضع لما يمليه الدستور والقانون ، وتعود إلى دورها الروحي الطبيعي ، وتبتعد عن اللعب السياسي ، وتقتفي أثر بقية الطوائف المسيحية الأخرى مثل البروتستانت والإنجيليين والكاثوليك وكنيسة المقطم ( مكسيموس ) وغيرها ، التي لا تلعب بالسياسة ، ولا تتدخل في شئون الأغلبية ؛ هو الحل الذي يرضاه الوطن ، ويقبل به المخلصون من المواطنين .
أما الاستمرار في تنفيذ سياسة جماعة الأمة القبطية الإرهابية المتعصبة، فأخشي ما أخشاه أن تكون الضريبة فادحة وقاصمة ؛ خاصة أن شارع الأغلبية بدأ يتحرك بعد نوم طويل ، وبعد أن كان يصدق ما يقال أن ما يجري : فتنة طائفية ، أو احتقان طائفي ، أو توتر طائفي ، كما يشيع الأرزقية وبعض النخب ، فقد عرف الشارع وهو يتثاءب بعد نومه الطويل أن ما يجري هو تمرد طائفي ، يهدف إلى تمزيق الوطن !
وإذا كانت المراسم الحكومية والعربية والاستعمارية ، قد بدأت لتشييع جنازة السودان الذي كان شقيقا ، بعد أن كان إقليما من المملكة المصرية التي حكمها الملك فاروق الأول – ر حمه الله – حتى السادس من يوليه عام 1952م ، فإن أحدا لا يعلم إلا لله متى تعد المراسم لتشييع جنازة جمهورية مصر العربية المسلمة إذا استمر التمرد الطائفي في النمو والاطراد .
وفي كل الأحوال ، فإن الشعب المصري يتوجه إلى الزعيم ، ويقول له مثلما قال النصراني المسكين الذي لم يجد عدلا ولا إنصافا في الكاتدرائية :
لن أسامحك .. لن أسامحك !
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . المصريون