الأحد، 21 فبراير 2010

الفتنة الطائفية في مصر.. محاولة للفهم

الدكتور محمد يحيى

لا يختلف اثنان على أن مصطلح "الفتنة الطائفية" ارتبط دائمًا بما يحدث بين النصارى والمسلمين من مشاكل ونزاعات ومعارك أحيانًا تكون داميةً وعنيفة.

وهذا المصطلح ليس دقيقًا من الناحية العلمية.. لأن نصارى مصر لا ينتمون إلى أصولٍ عرقية خاصة بهم تعزلهم عن باقي الشعب المصري.. فهم مصريون خلَّص لا شك في مصريتهم.. أما اعتناقهم لدين يخالف دين الأغلبية العظمى فهذا شأنهم واختيارهم لا حجر عليهم فيه ولا تثريب.

والأقرب للصواب تسميتهم "أقلية دينية".. وهذا المصطلح هو الشائع والمعروف في كل دول العالم ويُطلق على كل أقلية تعتنق دينًا غير دين أغلبية السكان.. فهناك الأقلية الإسلامية في الصين وفي فرنسا وفي بريطانيا.. إلخ.

غير أن ذلك المصطلح لا يروق في مصر ولا ينسجم مع التوجهات السياسية والفكرية المعمول بها.. ويرى كثير من أهل السياسة أنه يفرّق الشعب ويسبب التعصب ويدعو إلى الفتنة.

ومع أن هذه المسألة تبدو شكليةً إلا أنها مهمة لأنها مقدمه لنتائج تأتي بعدها.. متأثرة بهذا الوصف أو ذاك.

وأعتقد أن مصطلح "الفتنة الطائفية" سياسي بامتياز.. ولو طبقنا المعايير العلمية لقلنا أن ما يحدث بين قبائل "الهوارة والعرب" أقرب إلى "الفتنة الطائفية" من الذي يحدث بين "المسلمين والنصارى".

ثم إنني لا أقصد الإغراق والتطويل في جدلٍ لفظي عقيم.. ولكن أسعى إلى ثبر أغوار ذلك المصطلح السياسي الموسميّ الذي يجلب الرزق والمنافع والشهرة لفئات ليست قليلة في المجتمع.

هذه الفئات تنتظر على أحرّ من الجمر أيَّ حدث فتنفخ النار لتحرق أكبر قدر من اللُّحمة والترابط بين أفراد الشعب الواحد.

وهؤلاء يلبسون مسوح الرهبان وهم يعظون الناس من منابر الإعلام المختلفة.. صابين جامَ غضبِهم على شيء واحد هو الإسلام بشكل فجّ مبتذل فيه مزايدة حتى على النصارى أنفسهم.

وعلى سبيل المثال -لا الحصر- كاتب يضع خطة من عشر نقاط يرى أنها الحل الوحيد للاحتقان الطائفي في مصر.

فنجد أنه يطالب في البداية بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري.. والتي تنصُّ على إسلامية الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وهذا المطلب لا يذكره النصارى في "مصر" صراحةً.. ولا يهمهم كثيرًا لعلمهم أنه ليس سببًا في أي مشكلة.

كما أن "حمام الكموني" المتهم الرئيسي في أحداث "نجع حمادي" لم يكن قد اطلع على الدستور عندما نفَّذ جريمتَه.. وأي "كموني" آخر لن يتراجع عن تنفيذ جريمة أخرى إذا أُلغيت هذه المادة.

فهذا خلط شديد للأوراق وتملق فاضح يرفضه عقلاء النصارى ورموزهم المحترمون.. وهذا يشبه مريضًا يشكو من ألم في يده فأوصوا بقطع رأسه.

إن وجود المادة الثانية في الدستور مهم للغاية؛ لأن الإسلام هو المكوِّن الحضاري لهذا الشعب بكل أعراقِه وأطيافِه.. وفي ظله الوارف عاش النصارى على أرض مصر دون خوف أو اضطهاد أو تمييز.

كما أن هذه المادة هي الملجأ الآمن والمرجع الكبير الشامل للقضاة عندما يتعاملون مع مواد القانون الجامدة الجافة.. والتي لا تستوعب أحيانًا ما يجدُّ من جرائم تعجز عن تفسير سلوك الناس وطبائعهم.. فهنا يلجأ القاضي إلى الإسلام كمكون حضاري لا يختلف عليه أحد.

كما أن هذه المادة ليست بدعةً دستورية فمعظم الدساتير الأوروبية تتضمن النصَّ على دين الدولة.. وأحيانًا مذهبها التعقيدي وتحرّم المساس بهما أو الخروج عليهما.

أما الأسباب الحقيقية لما يسمى "بالفتنة الطائفية".. فيجب أولًا أن نتحلَّى بأكبر قدر من الصراحة والموضوعية ولنتخلى مؤقتًا عن أسلوب النعامة.. عند ذلك نقول أنها لا تخرج عن ثلاثة أسباب:

الأول: جرائم الشرف وانتهاك العرض وهي غالبًا ما تكون اعتداءًا جنسيًّا، بأي صورة من شاب نصراني على فتاة مسلمة.

وهذا خط أحمر ونقطة سوداء وعار لا يمحوه الدهر.. وهنا لا تسأل عن ردود الأفعال ولا عن الدمار الذي يمكن أن يحدث بين الطرفين.

الثاني: دخول بعض النصارى في الإسلام، فالنصارى يرون أن هذه جريمة وعار وفاعله يستحق الإعدام ولا يترددون في إعدامه عند القدرة عليه.

والأمثلة على ذلك ليس آخرها ما حدث مع "وفاء قسطنطين" المحبوسة أو المغدورة في دير وادي النطرون.

الثالث: بناء الكنائس؛ فنظرًا للصعوبة الشديدة التي يتكبدها النصارى للحصول على تصريح البناء يلجئون إلى حيل أخرى.. أخطرها تحويل منزل عادي جدًّا لأحد المواطنين النصارى إلى كنيسة.

والكارثة تكمن في وقوع هذا المنزل وسط منازل المسلمين.. أو اكتشاف أن صاحبَه مسلم وباعه للتوّ لأحد النصارى.

فالناس يستيقظون في الصباح فيجدون بجوارهم كنيسة زُرِعت عنوةً رغم أنف القانون والشرطة والمجتمع.. وهنا يحدث ما نعرفه جميعًا في ظل وجود الأنبا "بسنتي" الذي يريد كنيسة في كل شارع.

ونظرة سريعة لتلك الأسباب نجد أنها تقف وراء 99% من الأحداث الطائفية.. كما أن الفعل الابتدائي يحدث من النصارى والباقي ردود أفعال.

وأجزم أنها عشوائية وغير منظمة.. ولا يقف وراءها أي تنظيم سياسي.. وأحيانًا تكون عنيفة جدًّا وشديدة القسوة والدموية.

وهذا يُستثمَر من قِبل نصارى المهجر وحلفائهم في مصر من المسلمين والنصارى على حدٍّ سواء.

فنجد المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والمهاترات والمناظرات والمجاملات والمصالح، ويختلط الحابل بالنابل وتتداخل الخطوط.. وهذا يسبب حرجًا شديدًا للنظام السياسي المتهم من كل الأطراف.. وهذا السيناريو يحدث كل مرة.

وفي إطار الحلول المطروحة لمواجهة "الفتنة الطائفية" نجد أن كثيرًا من رموز المجتمع يدعون إلى إلغاء حصة التربية الدينية وتوحيد كتاب الدين بين النصارى والمسلمين تحت مسمى كتاب "الأخلاق العامة".

وهذا فضلًا على أنه مستحيل التطبيق ويؤدي إلى مزيد من الفتنة فهو أيضًا خطير على النصارى والمسلمين في آنٍ واحد.. وعبث وتخريب للعقائد.

لأن الخُلُقَ مرتبط بالعقيدة وجزء أصيل منها.. فمثلًا "إماطة الأذى عن الطريق جزء من الإيمان" كما جاء في نصّ الحديث الشريف فإذا دعوت التلميذ لهذا الخلق:

فلمن أنسبه؟!!

هل أنسبه إلى "كارل ماركس"؟

أم أنسبه إلى "المسيح عليه السلام"؟!!

أم إلى "محمد صلى الله عليه وسلم"؟!!

أم إلى الله مباشرة؟!!

أم إلى البشرية جمعاء؟!

وقِسْ على ذلك.

ثم إن أغلب عوام المسلمين تعلَّموا مبادئ الدين وفقه العبادات وقصار السور في حصة الدين المدرسية التي يدعون إلى إلغائها أو تأميمها.

ومن يدري لعل مجتهدي العلمانية يخترعون فقهًا موحدًا للعبادات.

وفي هذا السياق أيضًا هناك دعوة جادة وقوية لحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.. والبعد عن الأسماء الطائفية مثل "محمد، ومحمود، وصليب، وحنا، وفاطمة، وتريزا" والالتقاء على أسماء مشتركة مثل "سمير، وسامي، وصادق، وصدقي، ولوسي، وجاكلين.." إلخ.. ولا تنسى توحيد الأذان لأنه مزعج.. ووضع كاميرات في المساجد لتحصَى على المصلي عدد التسبيحات وتذكِّره بسجود السهو..! وأشياء أخرى كثيرة الكلام عنها مرهق للأعصاب وصادم للمشاعر!!

إن من يتصدى لحل المشاكل الطائفية لا بدَّ أن يتحلى بالصدق والأمانة والموضوعية.. وأن يكون عالمًا بمقاصد الشرع مستوعبًا لطبائع الناس ملمًّا بقواعد السياسة.

أما الحلول التي أشرت إليها من قبل فأصحابها ـ إذا أحسنا بهم الظن ـ نقول إنهم وصّفوا المشكلة بشكل خاطئ.. عندما اعتقدوا أن السبب الرئيسي للفتنة الطائفية هي زيادة التدين عند المسلمين.. ومن ثَمَّ لا بدَّ من تقليل وتخفيض مستوى التدين أو إلغاء أي شكلٍ ظاهري له.

خلاصة القول في هذه المسألة

يجب منع النصارى في مصر من الأفعال المستفزَّة التي لا تُحتَمَل.. ومن ثم تجنب ردود الأفعال من المسلمين أو السيطرة عليها وبناء الثقة بين الطرفين على أسس موضوعية محترمة.

المرصد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق