الشيخ حامد طاهر
من هوة الزمن السحيق انبعث شيطان من شياطين الإنس أراد إفساد الدين بعد أن فشل قومه في قتل نبي الزمان ، فأظهر حبا واتباعا وراح يطوف البلدان داعيا إلى ملته الجديدة التي صنع فيها إلها يوافق هواه وهوى قومه الذين أطلقوه كما تطلق السادة كلابها العاوية النابحة بالسعار الخبيث .
كانت الدعوة إلى تأليه الإنسان ورفعه فوق مقام الرب , ووجدت الفكرة صداها عند الحمقى والمغفلين وبعض المغرضين من المنتفعين حتى قدر لهذه الدعوة أن تنتشر , وإذا كان الداعية كذابا فلا جرم أن يكون أـباعه من الحمقى الذين لم يكتفوا بعبادة البشر وتأليهه ، لكنهم ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك فزعموا أن الإله قتل ، وكانت الفاجعة !!!!!
لقد اتخذوا قرارا هو الأصعب والأعجب :
فلم يقرروا قتل القاتل ولا طلب الدية , ولاسبوا القاتل ولا لعنوه بل قرروا حمل الآلة التي قتل عليها الإله وتعليقها على صدورهم والمفاخرة بها ؛ بل وعبادتها !!
والناس أسراب طير يتبع بعضهم بعضا فاتبعهم على حماقتهم الكثير وكان الظهور الأول لجماعة (( السحاسيح ))
وصار كل (( سحسوح )) – مفرد سحاسيح – مخلصا لعقيدته وإن لم يعلم عنها الكثير , ولأن إلهه قتل فعاش بعقدة الاضطهاد التي تجعله دائما يشعر بالدونية والسفلية والهزيمة والقهر ، وليتصور أن من حوله دائما هم ذئاب يريدون افتراسه ونهش لحمه حتى وإن أكرموه .
فتعلم السحسوح المكر والحيلة , وضاج شعور الخوف الدائم لأن إلهه قتل وغدر به فلم لا يقتل هو الآخر ؟ فراح يدبر المكايد والحيل لمن حوله دون تمييز ، وينصب لهم الأفخاخ لأنهم ليسوا معه فهم عليه كما يتصور .
ولأمر لا يعلمه إلا الله واصلت فكرة (( السحسوحية )) تقدمها حتى وصلت إلى بقعة هي الأخطر في منطقتها المحيطة بها , فتسحسح بعض أهلها .
لكن هذا لم يرض المحتل آنذاك ؛ ويوم أن تسحسح المحل اختار مذهبا آخر غير ما ارتضاه أهل هذه البلدة فسامهم العذاب الأليم ، فلم يجد المقهورون إلا الهروب إلى الجحور والفلوات بعيدا عن يد الزبانية وعيونهم وظلوا على ذلك أمدا بعيدا .
ومن اختار الحياة بجوار الماء والخضرة ضاجع المهانة وضاجعته ، فكان يجمع المال لا ليكون الثروة ، ولكن ليدفعه للسحاسيح المحتلين ، حتى لاحت في الفق بادرة خير .
لقد طار الخبر من بلدة مجاورة أن قوما يحترمون الإنسان ويعرفون حقه , ويقدرون له حقه في الحياة , قد خرجوا لإنقاذ العالم من براثن الطغيان ، بل لهدم ممالك الطغيان التي قامت جدرانها على الظلم دهورا طويلة .
كانت الأخبار تنتشر سريعا بأنهم طلاب حق وعدل لا طلاب دنيا ولا مريدي غنائم ، إنهم دعاة حق وخير والكل عندهم عبيد في مملكة الله لا فرق عندهم ولا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى والعمل الصالح .
وطار السحاسيح بالخبر فرحا وراسلوا القوم فلم يتأخروا عنهم ، وجاءوا إليهم كما جاءوا إلى غيرهم يرجون نزع قيود الظلم والرق , ورفع لواء العدل والتوحيد ,العدل حتى مع من خالفوهم في عقيدتهم .
وتنفس السحاسيح عبير الحرية الذي غاب عنهم أمدا بعيدا , ورأوا الدنيا بحلوها دون مرها للمرة الأولى منذ زمن سحيق , فحمدوا للقوم فعلهم .
ومضى الزمان على ذلك لكن عاد الداء القديم يتلاعب بالسحاسيح تلاعب الأفعال يالأسماء إنه داء الخوف والقلق والعقدة القديمة - عقدة الاضطهاد – عادت لتظهر من جديد ولكن ظهر معها هذه المرة داء آخر قتال كان متواريا طيلة السنين الماضية بعد أن رأى السحاسيح عز دين المخلصين وقوته وفتوة أبنائه وحدبهم عليه إنه داء الحقد !!
نظر علماء السحاسيح ورجال دينهم فوجدوا سلطانهم المبسوط على رعاياهم والذي كان يجلب الأموال قد تقوض وانهار , وخلال سنوات معدودات لم يبق خاضعا لهم إلا القليل بعد أن اختار الناس الدخول في دين القوم طواعية بغير إكراه ، بل صار من نسلهم العلماء والقواد والجنود والمدافعون عن هذا الدين .
ودعاهم الحقد إلى الثورة على الضئيل من المبالغ المدفوعة للمخلصين مقابل حمايتهم وتركهم يعمرون أراضيهم ويباشرون صناعاتهم في أمن وأمان ، وكان رجال الدين يشعلون النار في القلوب بهذه الادعاءات والافتراءات :
فالأرض أرضنا , والمال مالنا .
ونسوا أنهم في الأصل ليسوا أصحاب دار ولا دين بل هم رعايا لدول عدة توالت عليهم فلو حللت دمائهم لوجدتها خليطا من عدة أجناس .
والمخلصون جاءوا برغبتهم واختلطوا بهم حتى صارت الدماء مشتركة بعد اشتراكهم في عقيدة واحدة إذ دخلوا في الدين الحق طواعية .
كان كبار السحاسيح لا يستقر لهم جنب كأنما افترشوا الأشواك أو الرمضاء , يفزعون كلما تذكروا الدين الحق الذي كشف عوار عقيدتهم وفساد نحلتهم .
وتوالت القرون والسحاسيح يتناقصون ، فلا يزيد الزمان بقيتهم إلا إخفاقا ومهانة وعارا فكانوا لا يصبحون ولا يمسون إلا في غم عظيم وهم كبير ، وصار ذلك راسخا في نفوسهم بل في عظامهم وإن بلت وتفتت كقول القائل :
تبلى عظامي وفيها من دينكم ............... كره كثير ومقت غير راحل
وكلما ازداد الزمان عمرا كلما اشتعلت نيران العداوة وزكت داخل القلوب والعظام حتى تعمقت وصارت مكونا لا يفارق (( السحاسيح )) بل كان مما ظهر في تاريخهم وأقوالهم وأفعالهم .
ولحكمة يعلمها الله مد في عمر السحاسيح وعلت كلمتهم وارتفع لواؤهم فصاروا أغنياء ولهم ثرواتهم ، وصناع قرار في بعض الأحوال ، كل هذا لأن المخلصين عاملوهم بسماحة منذ البداية !!
فراحوا يتحركون بنفس العقيدة القديمة التي تتحكم فيها نزعة العداوة الغائرة في العظام , تحركوا فأنشأوا تنظيم الأمة السحسوحية في الخفاء , وتحركوا بخطة مدروسة جندوا لها جميع إمكاناتهم وأموالهم وجهودهم , وتحولت دور العبادة إلى مخازن سلاح وذخيرة وسجون لكل من خالف السحاسيح بعد أن خفت صوت الحق والعدل الذي جاء به المخلصون ونام القوم عما خطط لهم ويخطط ، والأحفاد ليسوا كالأجداد دائما , فلم يجد المقهورون رجالا ونساء إلا مركب الصبر ليركبوه منتظرين الموت قبل الفرج ليحملهم إلى عدالة الله القدسية التي لا ظلم فيه ولا قهر .
وخرج كبير السحاسيح يعلنها في صلف ووقاحة بغير حرج :
لن نعتذر لأحد !!!
والكبير معذور فالدهر أكل عليه وشرب , وذئابه التي رباها بدأت تمل وجوده , وكل يريد حظه في التركة ، والسحسوح النحنوح الأقوى من بعده يريد أن يظهر في صورة فتى الأحلام الذي يركب فرسه مدافعا عن بني جلدته ، ولا يدري أن سفينة السحاسيح تبحر بالفعل في بحر الهلاك بعيدا عن ساحل النجاة .
هذه طبيعة السحاسيح ولن تفارقهم ما دامت الأنفاس تتردد داخل صدورهم وسيظل السحسوح سحسوحا ولو عاش ألف عام .
أنا سحسوح ما حييت وما بقيت ....... وإذا مت فوصيتي للناس أن يتسحسحوا
المقامة السحسوحية :
سأل الفتى سميح ..... شيخه المليح .... ومربيه الصبيح ....... عن السحاسيح
فاعتدل الشيخ في جلسته ..... وراح يعبث في لحيته
وقال :
وقال :
السحاسيح يا ولدي ........ جمع سحسوح ..... وهو إنسان طموح
يشتعل ويساعد على الاشتعال وليس بكبريت
ويظهر ويختفي وليس بعفريت
يظهر لك الحب .... ويخفي كل المقت .... لن يرضى عنك ... لا هو ولا صاحب السبت
السحسوح في الحساب بليد .... يطرح ويجمع كما يريد
جعل الواحد ثلاثة ... لا أدري كيف لماذا .... فعلام توافقه ... وعلام تصدقه يا هذا ؟
عابد للإنسان .. كافر بالرحمن ... مستحق للعنة .... ساكن للنيران
فهل عرفت يا ولدي من هم السحاسيح ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق