‏إظهار الرسائل ذات التسميات رد الافتراءات حول الاسلام العظيم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رد الافتراءات حول الاسلام العظيم. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 28 فبراير 2010

رد افتراءات اللئام حول تعدد زوجات النبي عليه الصلاة والسلام


كتب الشيخ الصارم


إيهاب كمال أحمد
****
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خير خلْق الله أجمعين، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأخيار الطاهرين.

وبعد:
فإن أعداء الإسلام يحاولون التشكيك في الدين وإثارة الشبهات حوله، من خلال الطعن في شخص الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولذلك تراهم مثلاً يدندنون كثيرًا حول تعدُّد زوجات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - زاعمين أن ذلك يتنافى مع مقام النبوَّة، ومع مقرَّرات الشرع الإسلامي التي سمحت للرجل بالجمع بين أربع زوجات فقط كحدٍّ أقصى.

وللرد على تلك الافتراءات نقول:
أولاً: إن فعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مرتبِط بالوحي والتشريع، فهو بيان للأحكام وتوضيح للمقصود من أمر الله؛ لأنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعلم الناس بشرع الله الذي عليه أُنزِل، وهو وحده المبلِّغ عن الله لهذا الشرع، فلا يُعلَم الدين إلا من جهته، وهو وحده الذي عصَمَه الله - تعالى - في أقواله وأفعاله، فكانت بذاتها حجَّة في شرع الله.

فلا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يدَّعي أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد خالَف الشرع؛ وإلاَّ لزِمَه أن يدَّعي أيضًا أنه أعلم من المعصوم - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالشرع الذي عليه أُنزِل، أو أنه علم الدين من طريقٍ غير طريق الوحي، وكل ذلك باطل شرعًا وعقلاً.

ومن هنا يتَّضح بجلاءٍ بطلان زعم المفتري مخالفة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لشرع الإسلام، واستحالة حدوث ذلك.

ثانيًا: من المقرَّر في أصول الشريعة الإسلامية أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد انفرد عن أمَّته بجملةٍ من الأحكام الخاصة التي لا يشاركه فيها غيره، منها[1]:
أ- أن التهجد وقيام الليل كان فريضة عليه.
ب- أن الأخذ من أموال الزكاة والصدقات محرَّم عليه وعلى آله.
جـ- أن الوصال في الصيام كان مباحًا له - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومن جملة هذه الأحكام أيضًا: إباحة الجمع بين أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، فهذه خصيصة من ضمن جملة خصائص، وليست الخصيصة الوحيدة.

واختصاص النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بجملةٍ من الأحكام التي لا تنبغي لغيره ليس بغريبٍ أو بعيدٍ؛ لأن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليس كأيِّ شخص من عموم أمَّته؛ بل له من المكانة والحقوق ما ليس لغيره، وعليه من الواجبات والتكليفات ما ليس على غيره، ولا بُدَّ أن تتناسَب الأحكام والتشريعات مع هذه المقامات المختلفة.

ثالثًا: إن جمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين أكثر من أربع زوجات هو ممَّا أباحه الله له؛ ودليل ذلك هو قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 50].

وطالما ثبت أن هذا الزواج حلال لا ريب فيه قد أحلَّه الله رب العالمين لرسوله الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا يمكن الاعتراض عليه أو اعتباره نقيصة أو عيبًا.

رابعًا: كل زيجات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تمَّت بقبول ورضا تام من زوجاته - رضوان الله عليهن جميعًا - ولم يُعرَف عن إحداهن أنها لم تكن راضية بهذا الزواج، بل كُنَّ جميعًا في قمَّة السعادة والرضا بهذا الزواج، رغم ما عشن فيه من ضيق في العيش، وقلَّة في متاع الدنيا.

ولقد خيَّرهن الله - تعالى - بين البقاء مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتحمُّل المعيشة الخالية من المُتَع الدنيوية، وبين أن يطلِّقهن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيتمتَّعن بالدنيا وزينتها، فاخترن جميعًا برضا تام البقاءَ معه وعدم مفارقته.

فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "لما أُمِر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: ((إني ذاكرٌ لك أمرًا فلا عليك ألاَّ تعجلي حتى تستأمري أبويك))، قالت: قد علم أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه.
قالت: ثم قال: ((إن الله - عزَّ وجلَّ - قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28- 29])).
قالت: فقلت: في أيِّ هذا أستأمِر أبويَّ؟ فإني أريد اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ، قالت: ثم فعل أزواج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثل ما فعلت"[2].

فإن كان هذا الزواج قد أباحَه الله - تعالى - وتَمَّ برضا الزوجات جميعًا، فمَن ذا الذي له الحق أن يعترض؟ ومن أيِّ جهة يعترض؟

خامسًا: راعَى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مصالح في كلِّ زيجاته؛ منها مصالح عامَّة مشتركة بين كلِّ الزيجات، ومنها مصالح عامَّة انفردتْ بها بعض الزيجات، ومنها مصالح خاصة متعلقة بزيجة بعينها.

فمن المصالح العامة المشتركة:
1- أن تتولَّى أمَّهات المؤمنين - رضوان الله عليهن - تعليم النساء، لا سيَّما الأمور التي تخصُّ المرأة وتستحي أن يطَّلع الرجال عليها.
2- أن تنقل أمهات المؤمنين - رضوان الله عليهن - للناس ما يحدث داخل بيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حكم وأحكام، كما أمرهن الله - تعالى - في قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34].
3- إعلاء شأن المرأة في المجتمع الذي نشأ على جاهلية كانت تهين المرأة وتحقر من شأنها، وتعدُّها مجرَّد متاع يُورث، أو وعاءً لإشباع المتع الجنسية، أو سببًا من أسباب الفقر والعار والشؤم.

أمَّا زوجات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد صرن أمهات لكلِّ المؤمنين، ومعلِّمات لكلِّ الأمَّة رجالها ونسائها، فحظين بشرفٍ ومكانةٍ تفخر بها كل امرأة مسلمة.

ومن المصالح العامَّة التي انفردت بها زيجات معيَّنة:
1- جذب كبار القبائل العربية وزعمائها وتقريبهم للإسلام بمصاهرتهم؛ فإن الصهر والنسب من الأمور المؤثِّرة في نفس الإنسان العربي، وكثيرًا ما صدَّت العصبية القبَلِيَّة الجاهلية بعضَ العرب عن الدخول في دين الله - تعالى - وكان لا بُدَّ من معالجة هذه الأمراض الجاهلية بشيءٍ من الحكمة والرحمة، فكانت هذه الزيجات مفتاحًا لقلوبٍ أغلقَتْها حميَّة الجاهلية، وتقريبًا لنفوسٍ أبعدَتْهَا عصبيات قبلية.

فقد تزوَّج النبي - عليه الصلاة والسلام - مثلاً بجويرية بنت الحارث - رضي الله عنها - وكانت سيِّدة قومها بني المصطلق، وكان لهذا الزواج غاية عظيمة؛ فقد أعتق المسلمون مَن كان بأيديهم من أسرى بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟!

حتى قالت عائشة - رضِي الله عنها -: فلقد أعتق بتزويجه إيَّاها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأةً كانت أعظم على قومها بركة منها.

وبفضل الله - تعالى - كان هذا الزواج المبارك من الأسباب التي دعَتْ بني المصطلق جميعًا إلى الدخول طواعيةً في دين الله - تعالى - وترك الكفر والشرك[3].

2- حِكَم تشريعية؛ كتحريم التبنِّي، وإلغاء كل الآثار المبنيَّة عليه؛ كما حدث في زواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من زينب بنت جحش - رضي الله عنها.
قال الله - تعالى -: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37].

3- إكرام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتشريفه لكبار أصحابه بتقريبهم منه بالمصاهرة؛ كما فعل مع أبي بكر الصدِّيق بزواجه من ابنته عائشة، وعمر بن الخطاب بزواجه من ابنته حفصة، وكتزويجه - عليه الصلاة والسلام - ابنتيه رقية وأم كلثوم لعثمان بن عفان، وابنته فاطمة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم جميعًا.

ومن المنافع الخاصة: مراعاة ظروف خاصَّة لبعض زوجاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثل:
1- زواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من سَوْدَة بنت زَمْعَة التي كانتْ من المهاجرات إلى الحبشة، وكان زوجها السكران بن عمرو قد أسلم وهاجَر معها وتوفي عنها هناك، وكان أهلها كفارًا، فلو رجعت إليهم فربما عذَّبوها وفتنوها عن دينها، فكان زواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - منها شفقة بها، وإنقاذًا لها ممَّا قد تعانيه من ظلم واضطهاد.

2- زواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أم سلمة هند بنت أبي أمية، وكانت امرأة مسنَّة وذات عيال، وتوفي عنها زوجها وكانت شديدة التعلُّق به، فتزوَّجها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إشفاقًا عليها ورحمةً بأيتامها - رضي الله عنها.

سادسًا: إن النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن في زيجاته خاضعًا لرغبة أو شهوة، فقد تبيَّن عند النظر والتحقيق أن هذه الزيجات قد جاءت مراعاةً للمصالح العامَّة للأمَّة، والخاصَّة لآحاد الرعيَّة.

وممَّا يدلُّ على أن هذه الزيجات لم تكن لمحض الشهوة:
1- أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدأ زواجه في الخامسة والعشرين من السيدة خديجة التي كانت في الأربعين من عمرها وسبق لها الزواج مرَّتين، واستمرَّ الزواج خمسًا وعشرين سنة لم يتزوَّج عليها حتى ماتتْ، وكان عمره - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقتَها خمسين عامًا.
2- لم يتزوَّج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكرًا قطُّ إلا واحدة من إحدى عشرة امرأة، فكلُّ أزواجه سبق لهن الزواج إلا عائشة - رضي الله عنهن جميعًا.
3- أكثر زوجاته تزوَّجهن بعد بلوغه أكثر من 57 سنة كما يوضح الجدول التالي:
م اسم أم المؤمنين سنة الزواج بها عمر النبي وقت الزواج منها
1 خديجة 15 قبل النبوة 25 سنة
2 سودة 10 للنبوة 50 سنة
3 عائشة 11 للنبوة 51 سنة
4 حفصة 3 هـ 56 سنة
5 زينب بنت خزيمة 4 هـ 57 سنة
6 أم سلمة 4 هـ 57 سنة
7 زينب بنت جحش 5 هـ 58 سنة
8 جويرية 6 هـ 59 سنة
9 أم حبيبة 7 هـ 60 سنة
10 صفية بنت حيي 7 هـ 60 سنة
11 ميمونة بنت الحارث 7 هـ 60 سنة
ثم إننا نتساءل: هل يُلاَم إنسان على أنه تزوَّج وقضى شهوته بالحلال؟
ف
أي إنسان طبيعي خلقه الله - تعالى - بشهوات ورغبات، فإذا قضى هذه الشهوة في الحرام فإنه يُذَمُّ ويُلاَم، ولكن إنْ قضاها في الحلال الذي أحلَّه الله - تعالى - من فوق سبع سموات، فأي مَنْقَصَة في ذلك؟! وأي عيب؟!

سابعًا: ممَّا يُثِير العجب أن نجد بعضًا من اليهود والنصارى يُثِيرون الافتراءات حول تعدُّد زوجات الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مدَّعين أن ذلك يقدح في مقام النبوَّة، على الرغم من أنهم يؤمنون بكتابٍ جاء فيه أن نبي الله سليمان - عليه السلام - كان له ألف امرأة، كما جاء في سفر الملوك الأول الإصحاح الحادي عشر، العدد الثالث: "وكانت له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من السراري".

والأعجب من ذلك أن هذا الكتاب المحرَّف الذي يؤمنون به يتَّهم الأنبياء زورًا وبهتانًا بوقوع الزِّنا منهم، ولا يجدون في ذلك قادحًا في مقام النبوة.

فعلى سبيل المثال نجد في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الحادي عشر، الأعداد من الثاني إلى الخامس: "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشَّى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحمُّ، وكانت المرأة جميلة المنظر جدًّا، فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه بتشبع بنت إليعام امرأة أوريا الحثي، فأرسل داود رسلاً وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهَّرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها، وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حبلى".

قاتلهم الله أنى يُؤفَكون.

والأدهى من ذلك أنهم ينسبون للأنبياء أحطَّ أنواع الزِّنا، وهو زنا المحارم، كما نجد في قصة سيدنا لوط - عليه السلام - في سفر التكوين، الإصحاح التاسع عشر، الأعداد من الثلاثين إلى السادس و الثلاثين: "وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه؛ لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلمَّ نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً، فسقتَا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمرًا الليلة أيضًا، فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلاً، فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامه، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما".

قبَّحهم الله ولعنهم بما افتروا على أنبياء الله إفكًا وزورًا.

فكيف يجعلون الزواج الحلال الذي أباحه الله - تعالى - قادحًا في مقام النبوَّة؟ ولا يرون أن وقوع الزِّنا في أبشع صوره وأحطِّ أشكاله قادحًا في نبوَّة أيِّ نبي نسبوا له هذه الشناعات؟!

ثامنًا: إن تعدُّد زوجات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن شاغلاً له عن أداء مهمَّته التي كلَّفه الله بها على خير وجه، فقد عاش حياته الكريمة داعيًا ومعلمًا وقائدًا ومجاهدًا في سبيل الله، حتى صار الإسلام مسيطرًا على جزيرة العرب بأكملها، ومنطلقًا نحو ربوع الأرض كلها، فهدى اللهُ به من الضلال، وبصَّر به من العمى، وفتح به آذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، ولم يمتْ إلا وقد كمل الدين، وتمَّت الشريعة بشهادة الله - عزَّ وجلَّ - القائل: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

ثم بشهادة أصحابه - رضوان الله عليهم - حين سألهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خطبة الوداع: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله، وأنتم تسألون عنِّي، فما أنتم قائلون؟))، فقالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت[4].

بل كان هذا الزواج المبارك من الأمور المساعدة على نشر هذا الدين؛ حيث ساهمت أمَّهات المؤمنين في نقل جزء غير قليل من سنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأخباره وسيرته للأمَّة بأسرها، وساهمن في تعليم الرجال والنساء هديَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكنَّ أسوة تُتبع، وأنموذجًا يُحتَذى، فرضي الله عنهن، وجزاهن خير الجزاء.

نسأل الله أن يرزقنا اتِّباع سنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأن يحشرنا في زمرته، وأن يسقينا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا.

اللهم اجزِه عنَّا خير ما جزيت نبيًّا عن أمَّته، ورسولاً عن قومه، وآتِه الوسيلة والفضيلة، وابعَثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته.

وصلى الله وسلم وبارَك على عبده ورسوله محمد خير الأنام، وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان.
ـــــــــــــــــــــــ
[1]
انظر: "أحكام القرآن"؛ للقاضي ابن العربي (3/598).
[2]
البخاري (4412)، ومسلم (2696).
[3]
"زاد المعاد" (3/258)، "سيرة ابن هشام" (2/295).
[4] مسلم (2137).

الالوكة

الخميس، 11 فبراير 2010

إفحام أتباع الشيطان بإعراب: "إن هذان لساحران"

كتب الشيخ

ابى عبدالله الصارم

إيهاب كمال أحمد
********
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خير خلْق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه الأخيار الطاهرين.

وبعد:
فإن من المضحكات المبكيات وقوفَ المنصِّرين المفترين على الإسلام والمشككين فيه موقفَ الناقد للقرآن الكريم من الناحية اللُّغوية، وكأنهم من جهابذة اللغة وعلماء النحو، رغم توقف معارفهم النحوية - إن علتْ - على حدود المرحلة الابتدائية.

ومع كونهم لا يحسنون قراءة الآيات - فضلاً عن إعرابها وفهمها - تراهم يزعمون وجود أخطاء لغوية في بعض الآيات القرآنية، ومن ذلك:
ادِّعاء هؤلاء الجهال المفترين وجودَ خطأ نحوي في قوله - تعالى -: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63]، حيث زعموا أن الآية يجب أن تكون: (إن هذين لساحران)؛ لأن "هذين" اسم (إن) ويجب أن يُنصَب بالياء، وحيث إنه بالألف في الآية فهو مرفوع، وهذا خطأ؛ لأنه لا يجوز أن يُرفع اسم "إن"!

والإجابة عن ذلك ذات شقين: إجمالي وتفصيلي:
أما الإجمالي، فيكون ببيان استحالة وقوع خطأ نحوي في القرآن الكريم؛ لعدة أسباب، منها:
أولاً: أن القرآن هو مصدر قواعد النحو، وهو الأصل الرئيس الذي استند إليه واضعو علم النحو في تقرير قواعدهم والاستدلال عليها؛ لأن أهل العربية قاطبةً من المؤمنين والكفار على السواء، قد اتَّفقوا على فصاحة القرآن وبلاغته، وخُلوِّه من اللحن أو الخطأ، وأنه قد جاء موافقًا للغات العرب المختلِفة في نثرهم وشعرهم، ومن ثمَّ صار القرآن هو المصدرَ الرَّئيس الذي يُحتَجُّ به في تقرير قواعد النَّحو النظرية التي جاءت لاحقةً له، ومستندة إليه، ومبنيَّة عليه؛ بل إن هذه القواعد قد وُضعتْ في الأساس لتكون خادمة لكتاب الله - تعالى.

فكيف يقال: إن القرآن يخالف قواعد النحو، وهو مصدرها الرئيس؟!
كيف يقال ذلك وكل ما في القرآن يعدُّ حجةً في ذاته يستدل به على القاعدة، ويستشهد به على صحتها؟!

ثانيًا: لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفصحَ العربِ؛ حيث نشأ في مواطن الفصاحة والبلاغة؛ فهو عربي قرشي أبًا عن جدٍّ، وأكثر صحابته كانوا من العرب الأقحاح، وفيهم كبار شعراء العرب من أمثال حسان بن ثابت، والخنساء، وكعب بن زهير، وبجير بن زهير، وكعب بن مالك، وغيرهم.

فلو افترضنا جدلاً وقوع خطأ نحوي في القرآن، فكيف لم ينتبهوا له؟! وكيف تركوا هذا الخطأ؟! أم تراهم يجهلون أصول اللغة وقواعدها التي علِمها أولئك المنصِّرون؟!

ثالثًا: لم يُؤْثَر عن أحد من كفار قريش والعرب أنَّه خطَّأ القرآن، أو قال: إنَّه يُخالف شيئًا من قواعِد لغة العرب؛ بل شهدوا جميعًا ببلاغته وعظمة بيانه، رغم شدة حاجتهم لإثبات أي منقصة في القرآن الذي ما زال يتحدَّاهم فيعجزون عن الإتيان بسورة من مثله.

فهل يظن أولئك المدَّعون من المنصِّرين أنفسَهم أعلمَ بالعربية من أهلها؟! هل هم أعلم بالعربية من كفار قريش من أمثال أبي جهل، وأبيِّ بن خلف، والوليد بن المغيرة القائل في القرآن - رغم عدم إيمانه به -: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، وما يقول هذا بشرٌ"[1].

واللهِ لقد كان كفار قريش عبدةُ الأوثان أشرفَ في خصومتهم للإسلام من أولئك المنصِّرين المرتزقة المعاصرين، المشككين في الإسلام عبر الفضائيات والشبكة الدولية.

رابعًا:لم يُؤْثَر عن أحد من علماء النحو وأساطين اللغة أنَّه خطَّأ القرآن في كلمة واحدة؛ بل هم جميعًا مقرُّون ببلاغته، شاهدون بفصاحته، يعدُّونه حجةً لهم في تقرير قواعدهم، وشاهدًا ودليلاً في تأسيس مذاهبهم.

فإلى أي شيء استند أولئك المنصرون في تخطئتهم للقرآن؟! وما هي مصادر علومهم النحوية التي فاقوا بها كبار علماء النحو؛ بلْه شعراء العرب وبلغاءهم؟!
أما الجواب التفصيلي
: فيكون ببيان التخريجات النحوية الصحيحة لقوله - تعالى -: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63].

ومن المناسب قبل أن نشرع في ذِكر تلك التخريجات النحوية أن نوضِّح القراءات الصحيحة المتواترة لهذه الآية ملخَّصة في الجدول التالي:
القراءة القارئ بها نون (إن) اسم الإشارة
(إنَّ هذينِ) أبو عمر بن العلاء مشددة بالياء ونونه مخففة
(إنْ هذانِّ) قرأ بها ابن كثير مخففة بالألف ونونه مشددة
(إنْ هذانِ) وقرأ بها حفص مخففة بالألف ونونه مخففة
(إنَّ هذانِ) الجمهور كنافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر مشددة بالألف ونونه مخففة

جاء في الشاطبية:
وَهَذَيْنِ فِي هَذَانِ حَجَّ وَثِقْلُهُ دَنَا فَاجْمَعُوا صِلْ وَافْتَحِ المِيمَ حُوَّلاَ
قال الشارح عبدالفتاح القاضي: "قرأ حفص وابن كثير (قالوا إنْ هذان) بتخفيف نون (إن) وتسكينها، وقرأ غيرهما بتشديدها مفتوحة.

وقرأ أبو عمرو (هذينِ) بالياء الساكنة في مكان الألف في قراءة غيره.
وقرأ ابن كثير بتشديد نون (هذانِّ)، وقرأ غيره بتخفيفها"[2].

وقال ابن عاشور: "واعلم أن جميع القراء المعتبَرين قرؤوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله (هذان)، ما عدا أبا عمرو من العشرة، وما عدا الحسن البصري من الأربعة عشر، وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ هذان أكثر تواترًا، بقطع النظر عن كيفية النطق بكلمة (إن) مشددة أو مخففة، وأن أكثر مشهور القراءات المتواترة قرؤوا بتشديد نون (إنَّ)، ما عدا ابنَ كثير وحفصًا عن عاصم، فهما قرأا (إنْ) بسكون النون على أنها مخففة من الثقيلة"[3].

فاسم الإشارة قد جاء بالياء في قراءة أبي عمرو بن العلاء، وإعراب الآية على هذه القراءة يكون كالتالي:
(إنَّ هذينِ لساحران): (إن) ناسخة، و(هذين) اسمها منصوب بالياء، واللام المزحلقة، و(ساحران) خبر إن مرفوع بالألف.

أما القراءات الأخرى التي جاء اسم الإشارة فيها بالألف، فلها تخريجات ووجوه إعرابية عدة، نذكر منها ما يلي:
الوجه الأول: (إن) مخففة من الثقيلة ومهملة، فلا عمل لها؛ أي: إنها لا تنصب المبتدأ، و(هذان) اسم إشارة مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الألف، واللام الفارقة، و(ساحران) خبر (هذان) مرفوع بالألف.

وهذا قول جملة من النحويين منهم علي بن عيسى[4].

قال ابن عقيل في شرحه للألفية: "إذا خففت "إن" فالأكثر في لسان العرب إهمالها؛ فتقول: إن زيدٌ لقائم"[5].

وقال ابن مالك في ألفيته:
وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ العَمَلُ وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ
فإن قيل: إنها جاءت مثقلة في قراءة صحيحة، فالرد كما قال الآلوسي: "(إن) ملغاة وإنْ كانت مشددة؛ حملاً لها على المخففة، كما أعملت المخففة حملاً لها عليها في قوله: {وَإِنْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هود: 111]، فهي مخففة في قراءة نافع وابن كثير وشعبة"[6].

الوجه الثاني: "إن" هنا ليست الناسخة؛ بل هي إن بمعنى "نعم"، ويكون المعنى: نعم هذان ساحران، وهو قول جماعة من النحويين، منهم المبرد والأخفش الصغير، وذكره أبو إسحاق الزجاج في تفسيره، وذكر أنه عرض هذا القول على المبرد وإسماعيل القاضي فقبِلاه.

فهل تأتي "إن" بمعنى "نعم" في اللغة العربية؟
الإجابة: نعم، ودليل ذلك قول الشاعر - وهو عبدالله بن قيس الرقيات -:
بَكَرَ العَوَاذِلُ فِي الصَّبُو حِ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّـهْ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاَ كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ: إِنَّهْ

أي: فقلت: نعم.

ومما يستدل به على ذلك أيضًا:
أن رجلاً قال لابن الزبير: لعن الله ناقةً حملتْني إليك، فأجابه ابن الزبير: إنْ وراكبها، (أي: نعم، وراكبها أيضًا).
وعلى هذا الوجه يكون: (هذان ساحران) مبتدأ وخبرًا مرفوعين كالوجه السابق[7].

الوجه الثالث: "إن" هنا نافية، واللام الداخلة على (ساحران) بمعنى: إلا، فيكون المعنى: ما هذان إلا ساحران، وهذا قول الكوفيين من النحاة، وعلى هذا القول تكون (هذان) مبتدأ مرفوعًا[8].

الوجه الرابع: "إن" ناسخة وناصبة، و(هذان) اسمها، ومجيء اسم الإشارة بالألف مع أنه في محل نصب جَارٍ على لغة بعض العرب من إجراء المثنى وما يلحق به بالألف دائمًا، وهو قول أبي حيان وابن مالك والأخفش وأبي علي الفارسي[9].

فهل يمكن ذلك في اللغة العربية؟ هل يمكن أن يكون المثنى منصوبًا ورغم ذلك يكون بالألف؟
الإجابة: نعم، وهذه لغة كنانة وبلحارث بن كعب، وبني العنبر وبني هجيم، وبطون من ربيعة وخثعم وهمدان وعذرة.

ومما يشهد لذلك قولُ الشاعر أبي النجم العجلي:
وَاهًا لِرَيَّا ثُمَّ وَاهًا وَاهَا يَا لَيْتَ عَيْنَاهَا لَنَا وَفَاهَا
وَمَوْضِعَ الخَلْخَالِ مِنْ رِجْلاَهَا بِثَمَنٍ نُرْضِي بِهِ أَبَاهَا
فكلمة (عيناها) في البيت الأول اسم "ليت" منصوب وهو مثنى، ورغم ذلك كتبت بالألف (عيناها)، وليس بالياء (عينيها).

وكذلك كلمة (رجلاها) في البيت الثاني مجرورة بمن وهي مثنى، ورغم ذلك كتبت بالألف (رجلاها)، ولم تكتب بالياء (رجليها).

ومنه قول الشاعر:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَاهُ طَعْنَةً دَعَتْهُ إِلَى هَابِي التُّرَابِ عَقِيمِ
فكلمة (أذناه) في موضع جر بالإضافة إلى الظرف بين، ورغم ذلك فهي بالألف (أذناه)، وليس بالياء (أذنيه)، والأمثلة على ذلك في لسان العرب كثيرة.

قال ابن عقيل في شرح الألفية: "ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به بالألف مطلقًا: رفعًا ونصبًا وجرًّا، فيقول: جاء الزيدان كلاهما، ورأيت الزيدان كلاهما، ومررت بالزيدان كلاهما"[10].

وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "وهذه لغة لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها"[11].

الوجه الخامس: "إن" ناسخة ناصبة، واسمها ضمير الشأن محذوف، و(هذان ساحران) مبتدأ وخبر، والجملة في محل رفع خبر إن.

والمعنى إنه (أي: إن الحال والشأن) هذان لساحران، وإلى ذلك ذهب قدماء النحاة[12].

وقد يقول قائل: وما السرُّ في تعدُّد وجوه القراءات والإعراب في هذه الآية؟ وهل يدل ذلك على اختلاف واضطراب؟

وجواب ذلك: أن الاختلاف المعيب والاضطراب الذميم يقع إذا تناقضَتِ المعاني بحيث لا يمكن الجمعُ والتوفيق بينها، ومثل ذلك لا يمكن أن يقع في كتاب الله - عز وجل - القائل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

أما تعدد وجوه القراءة والإعراب، فهو من أسرار قوة القرآن ودلائل إعجازه، فالإعراب فرع المعنى، وفي تعدد الوجوه الإعرابية دون اضطراب تعددٌ للمعاني، فهي معانٍ - على تعدُّدها وتنوعها - متَّحدة في مقصودها، متَّفقة في مضمونها، وبذلك نجد أن العبارة ذات الحروف القليلة قد دلَّت على المعاني الكثيرة.

قال الطاهر بن عاشور: "ونزول القرآن بهذه الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضربٌ من ضروب إعجازه؛ لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني، متحدة المقصود"[13].

فجملة: "إن هذان لساحران" تتعدد معانيها بحسب كل وجه إعرابي؛ لكن هذه المعاني تؤدي في النهاية إلى مقصود واحد، وبيان ذلك كالتالي:
الوجه التخريج النحوي المعنى
الأول "إن" مؤكِّدة لكنها مخففة ومهملة إن هذان ساحران
الثاني "إن" بمعنى "نعم" نعم هذان ساحران
الثالث "إن" نافية، واللام الداخلة على (ساحران) بمعنى إلا ما هذان إلا ساحران
الرابع "إن" ناسخة وناصبة، و(هذان) اسمها منصوب لكنه جاء بالألف على لغة بعض العرب إن هذان ساحران
الخامس "إن" ناسخة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة (هذان ساحران) في محل رفع خبر إن إنه (أي: الحال والشأن) هذان ساحران

فتأمل بلاغةَ القرآن، وانظر إلى عظمة بيانه،
ثم انظر إلى ذاك المنصِّر وقد رجع خائبًا وهو حسير، فقد أراد إثباتَ منقصة، فإذا هي منقبة، وادَّعى وجود خطأ، فإذا هو وجهٌ من البيان وضربٌ من البلاغة التي أعجزت البُلَغَاء والشعراء.

وهكذا في
كلِّ مرَّة يُحاول المنصِّرون إثبات عيبٍ أو نقصٍ في الإسلام، يظهر عند البحث والنَّظَر أنَّ ما حاولوا إظْهاره عيبًا هو مزيَّةٌ كبيرة، ومحْمَدة عظيمة، فسبحان مَن أنزل هذا الكتاب فأعجزَ به الإنس والجن! وتبًّا لمن ألْحد في هذا الكتاب؛ فإنَّ مَن يغالب الله يغلب.

نسأل الله أنْ يجعلنا ممن يرعى كتابه حقَّ رعايته، ويتدبره حق تدبره، ويقوم بقسطه، ويُوفي بشرطه، ولا يلتمس الهدى في غيره، وأن يهدينا لأعلامه الظاهرة، وأحكامه القاطعة الباهرة، وأن يجمعَ لنا به خير الدنيا والآخرة، فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحابته، والمهتدين بهديه إلى يوم الدين.

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] "البداية والنهاية" (3/61)، "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"، ص262.
[2] انظر: "الشاطبية" وشرحها "الوافي" ص262.
[3] "التحرير والتنوير" (8/251).
[4] انظر: "تفسير الآلوسي" (9/325).
[5] "شرح ابن عقيل" (1/346).
[6] "تفسير الآلوسي" (9/325).
[7] "الكشاف"، للزمخشري (ص660)، و"اللمع"، لابن جني، مع "توجيه اللمع" (ص155) قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (16/253): "ودخلت اللام على الخبر: إما على تقدير كون الخبر جملة حُذف مبتدؤها وهو مدخول اللام في التقدير، ووجود اللام ينبئ بأن الجملة التي وقعت خبرًا عن اسم الإشارة جملة قسميَّة؛ وإما على رأي من يجيز دخول اللام على خبر المبتدأ في غير الضرورة".
[8] "تفسير الآلوسي": "روح المعاني" (9/323).
[9] "تفسير الآلوسي" (9/325)، وعلى هذا يكون اسم الإشارة مبنيًّا في محل نصب اسم "إن".
[10] "شرح ابن عقيل" (1/60)، وانظر: "التحرير والتنوير" (8/253).
[11] "تفسير ابن كثير" (3/251).
[12] "التحرير والتنوير" (8/253)، وانظر: "روح المعاني" (9/325).
[13] "التحرير والتنوير" (8/254).